كتيب "لطائف الغمامة في وصية أمامة" روشتة السعادة الزوجية

 

مقدمة

تنزيل الكتاب

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خيرِ الأنام أسوةِ المسلمين, وعلى آله وأصحابه وتابعيه بإحسانٍ إلى يوم الدين ثم أمّا بعد.

الأسرة نواة المجتمع, وانحراف المجتمع من انحراف الأسرة. لذا أَوْلَى الإسلامُ الأهميةَ الكبرى لقوة بنية الأسرة. ولذلك أيضا, يفرح الشيطانُ أشد ما يفرح عندما ينجحُ في تدمير أسرةٍ. فنجدُه يضعَ جلَّ همه في تفريق الأزواج قال تعالى: " يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا ( أي من الشياطين) مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ" البقرة: 102. وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: "إن إبليسَ يضعُ عرشَهُ على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة. يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا. فيقولُ: ما صنعتَ شيئا. قال: ثم يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرقتُ بينه وبين امرأته. قال: فَيُدْنيه منه، ويقول: نعم أنت" رواه مسلم.

فتُرى إلى أي مدى نجح الشيطان في مسعاه؟

بلغت نسبة الطلاقُ في مصر 44%, وهي نسبةٌ مفزعة. تفسرُ هذه النسبة سببَ تردّي الحياة الاجتماعية من جهة, كما تعطي مؤشرا خطيرا على هذا التردي من جهة أخرى. ولك أن تتخيلَ الأثرَ الكارثيَّ على المجتمع, نتيجة أعدادَ الأطفالٍ الذين يقعون ضحايا هذه النسبة المرتفعة للطلاق. فالطفلُ الذي يترعرعُ في بيئة الطلاق, سيواجهُ عدةَ مشاكلٍ وأهمها:

1.  فقدان الثقة في الوالدين اللذين جعلا مصلحتهما الشخصيةَ فوق مصلحته. مما يعود على الطفل بانعدام الثقة في نفسه, لأنه لم يكنْ يستحقُ التضحية من أجله.

2.  في مراحل الطفولة المبكرة, يفتقد الطفل إلى التسامح والتضحية اللذين لم يجدْهما في والديه. وقد يُعوِّضُ ذلك إيجابيا عندما ينضجُ حتى لا يتكررَ ما حدث معه.

3.  الاكتئاب والقلق الدائم, والإحساس بعدم الأمان.

4.  الشعور بالنقص والغيرة من أترابه الذين يعيشون حياةً أسريةً مستقرة.

5.  الاضطراب العاطفي وعدم الوثوق بالجنس الآخر.

6.  افتقاد أحد الوالدين يؤدي إلى ازدياد المساحة المتاحة للانحراف عند الطفل.

 

ولقد طالعتُ الكثيرَ من المشاكل الزوجية, - وأنا ممن يعايشُون ذلك - فوجدتُ أنها تعود في مُجملِها إلى جهل الزوجين, لاسيما الزوجة, ببعض المعادلات الزوجية الأساسية. وطالعتُ كذلك العديدَ من صفحات الزواج على مواقع التواصل الاجتماعي, بما في ذلك صفحاتٍ لزواج الملتزمين والملتزمات, فوجدتُ أكثرَ طالباتِ الزواج هن من المطلقات! وتذكرتُ بيت الشعر الشهير:

كالعيسِ في البيداءِ يقتلُها الظما     

                            والماءُ فوق ظهورها محمولُ

وتذكرتُ كذلك وصيةَ أمامة بنت الحارث لابنتها ليلة زفافها. وفهمتُ متأخرا سر إصرار وزارة التربية والتعليم على تدريس هذه الوصية لطلبةً الصف الثاني الثانوي. ففيها من أسرار نجاح الحياة الزوجية الكثير. وحيّا الله القائمين على منهج اللغة العربية ذلك الوقت (سبعينات القرن الماضي) على سعة إدراكهم وعمق معرفتهم, ورحم الله من قضى منهم.

والحقُّ أنه ما من مرجعٍ في أمورِ الزواجِ إلا قد أوردَ هذه الوصية, ولكنّ الأمرَ بحاجةٍ إلى ما هو أكثر من الإيراد وأعمق من الاستشهاد, فرأيتُ إعدادَ شرحٍ وافٍ لهذه الوصية لما بها من لطائف وفوائد. وقررتُ أن أُفسد على الشيطان خطتَه بألا أكونَ حيال مشكلة تردي الحياة الزوجية كالنعامة, وأن أعمل على تجنيب الأسرة المسلمة طرق الندامة. ففي وصية أمامة, الدعامة, ووسائل السلامة, التي تقيل الأسرة المسلمة من عثراتها, وتنأى بها عن ظلال القتامة وسحب السآمة والعذابات المُسامة في محاكم الأسرة, فتمحو الجهامة, وتقلل الملامة, وتنطلق بالمجتمع المسلم نحو الغايات المرامة, فيطيبُ صباحه ويهنأ منامه.

لقد وضعتُ في هذا الكتيب المعادلةَ الجامعةَ الحاكمةَ الصالحةَ لحل جميع المشاكل الزوجية مهما تعددت متاهات التفاصيل اليومية وأسباب الخلافات الزوجية

 

محمد إيهاب صلاح الأزهري

مصر, أسوان, أكتوبر 2019

 

                 تم الانتهاء من الطبعة الثانية مزيدة ومدققة

                                 أسوان, أكتوبر 2021

   

وقعت أحداث هذه الرواية في زمن الجاهلية قبل بعثة النبي r. فقد مات عوف بن محلم الشيباني زوج أمامة بنت الحارث عام 40 قبل الهجرة. وهو أحد أشراف العرب، ضُرب المثلُ بوفائه، فقيل: أوفى من عوف بن محلم، وكانت تُضرب له قبة في سوق عكاظ.

 

ذكروا أن الحارث بن عمرو ملك كِنْدَةَ لمّا بَلَغَهُ جمالُ ابنة عوف بن مُحَلِّم الشيباني، وكمالُها، وقوةُ عقلها، دعا امرأة مِن كندة يُقال لهاعصام، ذات عقل ولسان، وأدب وبيان، وقال لهااذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف. فلمّا بَلَغَهُ ما أعجبه منها, أرسل الملك إلى أبيها فخطبها، فزوجها إياه، وبعث بصداقها، فجُهِّزتْ له. فلما أرادوا أن يحملوها إلى زوجها، قالت لها أمها ناصحةً:

 

"أي بنية، إن الوصية لو تُرِكَتْ لفضلِ أدبٍ، تُرِكَتْ لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل. ولو أن امرأة استغنت عن الخروج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها؛ كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهن خُلِقَ الرجال .أي بنية، إنك فارقت الجو الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبًا ومليكًا. فكوني له أَمَةً يَكُنْ لكِ عبدًا وَشيكًا.

 

 أي بنية، احملي عنى خصالاً عَشْرًا، تكن لك ذخرًا وذكْرًا.

   الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.

   والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه؛ فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود.

   والتعهد لوقت طعامه، والْهُدُوُّء عنه عند منامه؛ فإن حرارةَ الجوع ِ مَلْهَبة، وتنغيصَ النوم مبغضة.

   والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وَحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسنُ التقدير، وفي العيال والحَشَم حسن التدبير.

   ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا؛ فإنك إن أفشيتِ سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أَوْغَرْتِ صدره.

  ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا؛ فإن الخصلة الأولي من التَقصير، والثانية مِن التكدير.

  وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا؛ يكن أشدَّ ما يكون إكرامًا. وأشد ما تكونين له موافقة؛ يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة. واعلمي أنك لا تَصِلِين إلى ما تُحبين حتى تُؤْثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرهت، والله يَخير لك.

 فَحُمِلَتْ فَسُلِّمَتْ إليه، فَعَظُم مَوْقِعُهَا منه، وولدتْ له الملوك السبعة الذين ملكوا بعده اليمن.

 

وإذا تأملنا هذه اللآليء لوقعنا على ما يَعجز اللسان عن وصفه في مدى فَهم هذه الأم وحكمتها وسعة إدراكها. فقد تعلمتْ من دروس الحياة وسِيَرِ من كان قبلها ما تعجزُ عن صياغتِهِ أكثرُ نساءِ الأرضِ اليوم علما وحكمة. فالوصية من أفصح ما قال العرب وأنفس ما سبكوا من ذهب, فيها من الفصاحة ما يعيي العقول ومن الحكمة ما يوجبُ الذهول.

فإذا انبرينا نفصِّل القولَ في وصية أمامة نقول وبالله التوفيق:

 

"أي بنية":

بادئٍ ذي بدء, لابد أن نلاحظَ أن هذه الوصيةَ قد قيلت في محيطٍ نسويٍّ لا رجال فيه. فلو سَلَكَ هذا المحيطِ رجلا فلربما يقول قائلٌ: قد تعصّب الرجل للرجال.

ثم إنّ هذه وصيةَ أمٌ لابنتها. وهل تألو أمٌ ابنتَها خيرا؟ أم هل تريد أمٌ بابنتها شرا؟

فهي إذن وصيةٌ حبيب لحبيبه, فلابد أن نتوقع أنها ستتضمن كلَّ الحب وإرادة الفلاح وهدوء السر للبنت, كما يقول العامة اليوم للعروس: "ربنا يهدّي سرك".

 

"إن الوصيةَ لو تُرِكَتْ لفضلِ أدبٍ، تُرِكَتْ لذلك منك" :

يبدو لي هنا أن العروس قد تعرف مقدما فحوى وصية أمها لفرط أدبها وعلو منطقها, فلابد وأن لها من حكمة أمها نصيب. والمستفادُ من هذا الشطر, أن الأم قد عكفت على تربية وتعليم بناتها منذ الصغر. فلسنا بصدد وصيةٍ طارئةٍ لبنت لم تُحسنْ تربيتُها. فلا خير أن توصي بالأدب من شبَّ على عدم الأدب.

 

"ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل":

وهنا تأكيد على شيئين؛ أولُهما أن الإنسان منا قد يغفل, وتذكرة الغافل واجبة. لذا قال تعالى: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" الذاريات:55

وثانيهما أن الموصَى, له من رجحان العقل ما يُمكَّنه من تقدير الحكمة والاستفادة منها وتفعيلها. ونقصان العقل شائعٌ في النساء لقول الحق جل وعلا: "أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ " البقرة:282. وكلُّ نصيبِ الزوجاتِ من المشاكل الزوجية راجعٌ إلى قلة العقل. ولكي نعقلَ الأمورَ لابد من ربط السائبة إلى ثابتٍ لقول النبي r:"اعقلها وتوكل". لذا يجب على كلٍّ من الزوج والزوجة ربط كل شاردة من الأفكار إلى ثوابت النصوص وصحيح المعادلات.

 

" ولو أن امرأة استغنت عن الخروج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها؛ كنتِ أغنى الناس عنه, ولكن النساء للرجال خُلِقْنَ، ولهن خُلِقَ الرجال:"

وهنا تؤكد الأمُّ على أنه لولا أن شَرَعَ اللهُ الزواج, لَمَا فرَّط والداها فيها, فالبنت لدى والديها في مقامٍ رفيعٍ ومقعدٍ منيع, وليست ممن تُبتغى إزاحته والاستراحة منه.

 

"أي بنية، إنك فارقت الجو الذي منه خَرَجْتِ، وخَلَّفْتِ العُشَّ الذي فيه دَرَجْتِ"

 ما أجمل المفارقة بين الجو والعُش. الجو هو الفضاء المجتمعي الشاسع, والعش هو الحضن الأسري. ومنه نفهمُ أن الأولادَ يستمدون المفاهيم التربوية من وسط شاسع هو جو المجتمع, ومن وسط صغير هو حضن الأسرة. فالمجتمع يربّي مع الأب والأم.

وقد قدّمت أمامةُ الجوَّ على العش لشدة تأثيره على سلوك الأولاد. فكم من ولدٍ تعلَّمَ من المجتمعِ الخارجيِّ ما لم يُنشّأْ عليه من قيم وأخلاق.

كثير من فتياتنا لا يدركْن أنه بزواجهن قد تغير كلُّ شيء؛ الجو والبيئة والعش. ولا شك أن لكل جو تقلباته, ولكل بيئة معادلاتها, ولكل عشٍ شجرتُه وأغصانُه. لذا تبدأ أمامة بقرع هذا الجرس لتنتبه البنت إلى ذلك فتتأهب نفسيا لما هو آت.

 

 

"إلى وَكْر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه": 

لم تستخدم هنا كلمة "عُش" التي بدأت بها وإنما استخدمت كلمة "وكر". وهو لفظ بارع يناسب التغيّر والتبدّل الظاهر في قولها "لم تعرفيه ولم تألفيه".

وبادٍ هنا أنه لم يحدث بين الزوجين لقاءاتُ تعارفٍ لكي يفهمَ بعضُهما بعضا ويعرفُ بعضُهما طباع الآخر. فكيف تُلقي الأم بابنتها في هذا "الوكر" مع من لا تعرفه ولم تألفه؟ أم تُراها ستجد لهذه المشكلة حلا؟ دعونا نتابع...

 

"فأصبح بملكه عليك رقيبًا":

يطيع الولد من يراقب تصرفاته ويقوِّمُها, ولهذا يطيع الأبناء الوالدين. فما التربيةُ إلا مراقبةٌ وتقويم. لذا تنبّهُ أمامة هنا إلى أن مركز الرقابة سينتقل إلى الزوج, وبالتالي ينتقل معه مركز الطاعة.

 

"ومليكًا":

درجة الزوج

وهذا تطور منطقي. فمن يملكُ مركزِ الرقابة وتجبُ له الطاعةُ لابد وأن يكونَ هو ملك المكان وأميره. فالرجل هو رب الأسرة, وفي القانون الفرنسي "الزوج رئيس الأسرة". وقد جاء عن إحدى نساء التابعين قولُها: "كنا نكلمُ أزواجَنا كما تكلمون أمراءَكم".

وأكثرُ النساءِ لا يجدن حرجا في الإقرار بسيادة الزوج, ولكن قولا لا فعلا, ليس إقرار قناعةٍ تثبتُه التصرفاتُ والمعاملة. فللسيد والملك والرئيس حقوقٌ لن يفرط فيها خاصةً إذا كان مجبولا عليها. والرجلُ مُفضَّلٌ على المرأة بدرجة منحها إياه الخالق جل وعلا فقال: "ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" البقرة:228

وقد عجبتُ لاستشهاد صاحب تحفة العروس بتفسير ابن عباس الدرجة بالعفو والتغاضي رغم أنه فسّرها أيضا بقوله: "أمراءٌ عليهن".

فالدرجة تعني المنزلة دون تأويل. فشرعتُ أبحث في سائر التفاسير فوجدت ما ترتاح إليه النفس. فقال ابن كثير: "قوله تعالى: "وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" أي في الإنفاق والقيام بالمصالح والقوامة وفروق الخلقة، كما قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" النساء:34

وهنا نجد أن ابن كثير رحمه الله قد فسَّر الدرجة بالقوامة - وهي أن يقوم الرجل على النفقة على زوجته - وهو تفسير لا يغطي الجانب السيكولوجي للجنسين- ولكن استدراكه بجملة "فروق الخلقة" يفتح المجال واسعا لأمور تتعلق بالخلقة, فهيا بنا نتدارسها.

ألم يكن الخالقُ جل وعلا قادرا على خلق آدم وحواء معا في لحظة واحدة, ثم يقول لهما معا "كن فيكون"؟ ولكن هذا لم يحدث. فخلق الله "الرجل أولا" ثم خلق منه زوجه. وانظروا إلى عبارة "الرجل أولا" السابقة, كيف جاءت بيسرٍ وبلا تعنُّت! ومن هنا كان الرجل دائما أولا.

لذلك أنقل عن بعض العلماء:

"للرجل على المرأة درجة: وإليك أيها القارىء الكريم شيئًا من تفاصيل هذه الدرجة، كما قال ابن كثير أي في الفضيلة والخلق والخلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق.

أولًا في الفضيلة: فقد اختار الله سبحانه وتعالى أنبياءه من الرجال ليحملوا كلامه ورسالاته إلى الناس، ولم يختر رسلًا من النساء كما قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" يوسف:109

ثانيًا: للرجال درجة في الخَلْق والخُلُق: فالذي خَلَق هو الذي لم يجعل النوعين شيئًا واحدًا، فقد قال تعالى: "فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" آل عمران:36

 

ثالثًا: للرجال درجة في المنزلة والتقديم: فهو إمامها في الصلاة, ولم يعرفْ التاريخُ الإسلاميُّ منذ فجره أن امرأةً مهما بلغ علمها وحفظها لكتاب الله تعالى وفقهها قدمها المسلمون لتصلي بهم، ولا طلبت المرأة هذا.

 

رابعًا: هو رئيسها والحاكم عليها وليس العكس: لقوله تعالى: "بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" النساء:34  يقول ابن كثير في تفسيره: "لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله r: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً" (صحيح البخاري [4425]). وكذا منصب القضاء، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها كما قال تعالى: "وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" [البقرة:228] وعن ابن عباس: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" [النساء:34]. يعني: أمراء عليهن". (انتهى النقل)

 

وفسَّر الشيخ الشعراوي الدرجة بالوِلاية. وفسرها الشيخ أبو اسحاق الحويني بالمسافة لإعلى.

وأقول: وللرجل درجته من كونه لا يحيض. ومنه أصل الخلق, فلا ذِكرَ لبويضة المرأة في القرآن, قال تعالى: "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّۢ يُمْنَىٰ" [القيامة:37], وقال: "أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ" [المرسلات:20]. وإنما ذُكرت المرأة بخاصية الاحتواء الحاضنة, قال تعالى: "ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ" [المؤمنون:13].

 

درجة الزوج وميكروب قاسم أمين

هلا سألنا أنفسنا: كم كانت نسبة الطلاق في المجتمعات المسلمة قبل 200 مئتي عام؟ ولماذا؟ وما الذي استجد؟

ما استجد هو دعاوى تحرير المرأة على المنوال الأوروبي كما رآه قاسم أمين. لقد نزلت المرأة سوق العمل وأثبتت كفاءتها ونازعت الرجل قوامة المال الإنفاق, فصارت طبيبة ورئيسة وزراء, مما كان له أثرٌ سلبيٌ على المجتمع تمثّل في ترسيخ عقيدة الندّية للرجل في العقل اللاواعي الأنثوي, وانعكس في ارتفاع نسب الطلاق وتفكك الأسر وانحراف الشباب. لقد أصابت آفة الندية للرجل جميع النساء بلا استثناء ولو بدرجات متفاوتة, فلم تسلم منها واحدة. لعل هذا ما دعا بعض المهندسات والطبيبات لتدشين موقع زواج لمن لا يقبلن بمن هم دون الطب والهندسة من "العرسان". إنها صورة من صور الندية. فهل من علاج؟

نعم. إن في وضع الزوجة درجة زوجها فوق كل اعتبار – بعد أن تطبق القواعد الشرعية لاختيار الزوج – عاصما من كل تلك المخاطر, ولتنطلق المرأة بعد ذلك ما وسعها الانطلاق.

 

س: ماذا قد يفعل الزوج إن لم يجد درجته؟

ج: هنا تقعُ المشاكل. فالزوج الذي لا يجد درجته طوعا يسعى لأخذها غصبا. وقد يقع ذلك بأوجهٍ عدة, فقد يُهين وقد يشتم وقد ينهر وقد يضرب وقد يُطلِّق.

لذا فوصيتي للزوجة العاقلة:

أعط زوجَك درجتَهُ التي منحها الله إياه برضاك قبل أن يأخذَها غصبا.

 

 

إن 99% من المشاكل الزوجية تقع بسبب حرمان الزوج من درجته أو استكثارها عليه أو التكبر والعناد في منحها إياه. ولا يحبُّ الرجالُ المرأةَ العنيدة ولا المتكبرة. لأن أقلَّ ما في العناد, عدم التقهقر أمام درجة الرجل والتعدّي عليها. وهذا ما لن يرضى به أقل الرجال شأنا. والعنادُ ومناطحةُ الرجل رأسا برأس, هو أول ما يزهِّدُ الرجل في زوجته, فيبدأ بالتفكير بالبحث عن بديل.

والتفسير السيكولوجي لدرجة الزوج تثبته العديد من الأحاديث الشريفة ومنها حديث السجود للزوج وسيأتي بيانه.

لذلك ستكون السيدة أمامة في غاية الصراحة مع ابنتها العروس في شرح كيفية منح الزوج درجته وأولها:

 

" فكوني له أَمَةً يَكُنْ لكِ عبدًا وَشيكًا:"

وهو قولٌ جاء قدرا موزونا على بحر البسيط فدفعني لأن أزيدُ:

كوني له أمة يكن لك عبدا  

      كوني له عَضُدا يكن لك سَنَدَا

لا تمنعيهِ بلوغَ شأو درجتِهِ 

       فسوف يأخذُها غصبا وقد عَنِدَ

إن الرجالَ طُفولٌ في عقولِهِمُ 

        إن تمنحي اليوم  سوف تحصدين غدا

 

من المنطقي أن لفظة "مليكا" السابقة تستدعي كلماتٍ من قبيل أَمَةٍ وعبدٍ. فقد كان الرقُّ موجودا ذلك الزمان وكانت هذه الكلمات عند الناس شائعة. ولكن لنا وقفة هنا.

لم أقرأ حياتي أبدعَ من هذه المقابلة بين كلمتي "أمة وعبد". فالأمة أو العبد إنما يكون مِلك يمين مَلك أو أمير. ولم نسمع عن عبودية تجعل من الملك عبدا ومن العبد ملكا! هذا ممكنٌ في الحياة الزوجية. وإثبات العبودية للزوجين هنا يثبت لكليهما الملوكية والسيادة أيضا ولنا في ذلك تفصيل:

أزعمُ أن في هذه الجملة حلَّ كل مشاكل الزوجة مع زوجها لو فقهتها. ولقد علّمتُ ابنتي هذه المقولة فاستوعبتها, ولكن بعد زواجها غلب عليها طبع المرأة فتعبت ما أسقطتها.

تريد الزوجة من زوجها تحقيق كل مطالبها ولكنها تغفل عن الوسيلة الناجعة الضامنة لتحقيق ذلك فتشرع تتحداه أو تجادله وترد عليه الكلمةَ عشرا أو تكثر من الإلحاح عليه فيتفاقمُ الأمرُ وتستغلقُ الأمور. لهذا شَكَتْ عروسٌ أن كلَّ موضوعٍ تفتحُه مع زوجها ينتهي بمشاجرة. لقد كانت أمامة وابنتها أذكى من كل نسائنا اليوم. فقد عَلِمَتَا كيف تجعلان الزوجَ يصير لهما عبدا بأقل التكاليف. ومتى صارَ الزوجُ عبدا, حصلتِ منه على ما تريدين بيسر.

والبادي هنا أن الأم قد وجدت هذه الوسيلةَ ناجحةً في حياتها هي, وإلا لَمَا أوصت بها ابنتها. فنحن لا نوصي الآخرين إلا بما ثبت نجاحه بالتجربة. ومن هنا كان قول العامة: "إسأل مجرَّب ولا تسأل طبيب".

 

س: من الذي يبدأ؟

ج: تبدأ الزوجة.

لم تقل أمامة: "إذا كان لك عبدا فكوني له أمة" لا. فأوصت الأمُّ العروسَ بأن تكون هي البادئة بتذلل الإماء. وبديهي أن الزوج قد لا يصبح عبدا لزوجته المتذللة من أول الأمر. فعلى الزوجة أن تكون صبورة. فإذا تكرر منها ذلك وترسَّخ لدى الزوج أن زوجتَه صارت أمةٌ له, صار خاتما في إصبعها تفعل به ما تشاء. وماذا تريد الزوجة أكثر من ذلك؟

 

س: ماذا إلَّم يصبح لي عبدا؟

ج: كثير من النساء يعتمدن هذه الطريقة من مبدأ البرجماتية والنفعية, فإن فشلت كفرن بها وانقلبن على أعقابهن. وليس ذلك ما أرادته أمامة لابنتها, ولكنها أرادت ذلك أن يكون في ابنتها طبعا متأصّلا لا يتحولُ لأنه معادلة أساسية في الزواج, والأساسيات تظل صحيحةً وإن خابت النتائج أحيانا.

 

س: زوجي لم تصلح معه وصية أمامة بالكليّة.

ج: إذن أنت لم تحسني الاختيار من البداية. وهذا يقودنا للحديث قليلا عن فن الاختيار في الإسلام.

****

 

معادلات الاختيار في الإسلام

أولا: كيف تختارين زوجك؟

 

طالعتُ الكثير من شكاوى الزوجات من قبيل "زوجي يشرب الخمر" " زوجي لا يصلي" " زوجي يهين أهلي" "زوجي بِصباص" ...إلخ.

 

هذا كلام ما بعد فوات الأوان يا ابنتي. لقد وضع الإسلامُ لك قواعدَ اختيار الزوج الذي تسري عليه وصية أمامة وغيرها من أوامر الدين الحنيف. فلا يستقيم أن تسقطيها ثم تنوحين بعد الزواج هذا النواح!! كل هؤلاء الأزواج المشتكى منهم ما كان ينبغي أن يُزوّجون من البداية.

وبديهيٌّ أن قضية الاختيار عند الفتاة ضيقة الحدود, وليست من الرحابة كما هي عند الشباب. فالشاب له أن يتقدم كل يوم لخطبة فتاة, بينما تقبع الفتاة منتظرةُ من يطرق باب ولي أمرها. إلا ما كان من عَرْضِ الوليّ ابنته على الصالحين كما عرضت السيدة خديجة نفسها على النبي r قائلة له: "يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وَسِطَتِكَ في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك". ولكن هذا لا يحدث إلا في أضيق الحدود ونوصي به دائما إن كانت الفتاةُ خديجيةً وكان الشابُ محمديا.

  ولكن ليس معنى ذلك أن توافق الفتاة على سقط المتاع من الشباب, فقد وضع الإسلام شرطا تختار وفقه الفتاة فقال النبي r: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه". ويُفهم من الحديث بالضرورة عدم تزويج من لم نرض دينه وخلقه بالكليّة. وبين هذا وذاك نطاقٌ وسطٌ واسعٌ من الشباب ممن يستجيبون للتقويم ويحبون الصلاح وأهله, فيمكن أن نقبلَ منهم أو ندع بحسب استعدادهم لذلك.

وواضح من حديث السيدة خديجة رضي الله عنها السابق أن حبَّ النبي r قد وقع في قلبها لهذه الصفات التي أوردتها. فمن ذي التي لا تحب الأمين حسن الخلق صادق الحديث؟ فكيف وإن كان محمدا بن عبد اللهr ؟

فلا جناح على الفتاة إن هي أحبت. ولكن ليس الحبُّ المبنيُّ على الشكل والرسم وقشور الفسق الزائفة. ولكن يُحبُّ الرجلُ لخلقه ودينه.

 

س: ماذا إلَّم يتقدم لي إلا هذه الأصناف الرديئة من الرجال؟

ج:  تصبري وتُهيئي نفسك لصالح الأزواج. وإذا كنت ترغبين في زوج متدين فينبغي أن تكوني على الحال التي يُحبها المتدينون, فالناس عن الأخلاق يسألون, وعن الدين يتقصّون. والبقاء بدون زواج خيرٌ من الزواج بهذه الأصناف الرديئة. وخيرٌ من كليهما القَبولُ بأن تكوني زوجةً ثانيةً أو ثالثة أو رابعة لذي الدين والخلق. والفتاةُ التي تتزوج رجلا لا يصلي أو يسبُّ الدينَ أو يشربُ الخمر ويدخنُ الحشيش, إنما تصنعُ بذلك مِعولا يهدم المجتمع.

 

س: ماذا عساها تفعل من تورطت في زيجة من هذه الزيجات؟

ج: لا يبيح ذلك للزوجة التطاول على زوجها ومقارعته رأسا برأس. ولها – مع دوام السعي لتقويم الزوج - أحد حلّيْن؛ إما الصبر والعكوف على تنشئة الولد تنشئةً صالحة, أو طلب الانفصال.

 

وإليكِ الحدُّ الأدنى من الخصال التي يجب عليكِ رفضُ الزواج ممن لم تكن فيه:

من خصال النبي r التي أحبتها فيه السيدة خديجة رضي الله عنها:

1.     الأمانة وحسن الخلق وصدق الحديث.

"يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وَسِطَتِكَ في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك"

2.     صلة الرحم, ومساعدة المعدوم والضعيف وكلِّ محتاج إلى مساعدة, وإكرام الضيف.

"كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

3.     المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.

4.     حفظ قدر ولو يسير من القرآن الكريم شريطة أن يكون بأحكام التلاوة.

5.     عدم تدخين السجائر والشيشة فإن ذلك يجرُّ لما هو أفدح, ويشير إلى شخصيةِ مِزاجية, وقد تكون غير مسؤولة.

6.     المواظبة على أذكار الصباح والمساء شرط ضروري.

7.     عدم مصاحبة أصدقاء السوء.

8.     قراءة - على الأقل - كتاب منهاج المسلم وأي كتاب في السيرة النبوية.

 

فإذا فرَّطتِ ابنتي في هذه الشروط, فلا تَلُومَنَّي إلا نفسك. وللفتاة أن تشترط ذلك فيمن يتقدم لخِطبتها فيفعلُ من لديه الاستعداد للخير وكان يحبُها ويريدُها بحق.

 

س: لماذا المتدين؟

ج: لأن للدين سلطة تغيير السلوك. فالدين في حد ذاته ما هو إلا سلوك ومعاملة, قال رسول الله r: " الدين المعاملة". والدين بدوره يضمن حسن الخُلُق, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله r عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق. والمتدينُ يحب أن يُرضي خالقَه حتى فيمن يكرهه من الخَلْق, فيضعُ رضى الله فوق بغضه لزوجته فلا يظلمها. لهذا قال الحسن البصري: "زوِّج ابنتك صاحب الدين - لماذا؟ - فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لا يظلمها". والبغض عمليةٌ تراكمية أولها إيغار الصدور وسيأتي تفصيله.

 

ثم يردف النبي r بعد قوله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه", فيقول: "إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ". رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

لمّا أمر النبي r الرجال بالزواج من ذات الدين, لم يربط مخالفةَ ذلك بحدوثِ فتنةٍ في الأرض وفسادٍ عريض, وإنما اكتفى r بقوله: "تَرِبَتْ يداك", أي لامست يداك التراب كناية على فقدان كل شيء. ولكن لمّا أمر النبي r النساء بالزواج من صاحب الخلق والدين, ربط مخالفة ذلك بحدوث فتنة في الأرض وفساد وصفه r بالعريض, فلمَ؟

 ذلك راجعٌ إلى الدور الرئاسي للزوج الذي يُهيمن بموجبه على تَوَجُّهاتِ الأبناء, وقد قالوا قديما: "من شابه أباه فما ظلم". فالطفلُ يتخذ أباه قدوةً له منذ نعومة أظافره دونما وعي منه, حتى إذا ما بلغ أشده نحا نحوه في الحياة. ومن هنا كان حسابُ من ضيَّع من يعول عسيرا لقول النبي r: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ". أخرجه الحاكم في المستدرك والنسائي في السنن الكبرى.

أمّا الفتنةُ, ففتنةُ الأخريات بقَبول سيء الخلق عديم الدين إذا ما ابتلاه الله بخير ظاهري. فالمرءُ يُبتلى بالخير أو بالشر لقول الحق جل وعلا: "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " الأنبياء: 35 .

وأمّا الفساد فقد وصفه النبي r بالعريض لأنه يتكاثرُ أفقيا حتى يعمَّ سائر المجتمع إلا من عصم الله. فما عليك إلا القيام بجولة في أحد شوارع المدينة الرئيسية للوقوف على مَظاهرِهِ من تحرش ومعاكسات, وسبِّ دينٍ ومشاجرات, قد تصل لحد القتل عند العصابات, وتعاطٍ للمخدرات, ورقص مختلط في الديسكو والكازينوهات, وإسفاف في أغاني الميكروباصات. وكل ذلك مما ظهر وما خفي أعظم. فإهمال هذا الحديث النبوي الشريف يفرِّخُ أجيالا ترتشي وتغش وتختلس وتُدلِّسُ. فهل بعد هذا من فساد؟ ألا صدق رسول الله r.

وقد يقف عدم تزويج هذا الصنف من الرجال عند مرتبة المكروه من الأعمال لولا قوله r: " تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ", فلا مفر إزاء هذا التصعيد إلا أن أضعَ هذا الفعل في مرتبة الحرام شرعا .

****

 

ثانيا: كيف تختار زوجتك؟

 

أمّا كيف يختار الرجل زوجته, فمعايير الاختيار أربعة؛ هي الجمال والمال والحسب والدين, كما جاء في الحديث الشريف المشهور "تنكح المرأة لأربع, لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم "

 

الجمال:

الجمالُ ليس تفاحةً نأكلها فنستمتعَ بطعهما. ولكنه إشعاعٌ يتركُ في النفسِ أثرا طيبا يزول بزواله, فإذا كان الجمال حسيا, زال تأثيره بزواله, وإن كان روحيا, استمر تأثيره حتى بعد فناء الجسد. لهذا يقال أن الجمالَ شيءٌ نسبي, بمعنى أن ما تراه أنت جميلا قد لا يراه الآخرون كذلك. فإن وضعَ الرجلُ جمالَ المرأة أوَّلَ معاييره, فعليه أن يدرِّبَ نفسه على التأقلم معها عندما يبدأ جمالها في الذبول فيما بعد الأربعين من العمر. والجمال من الأشياء التي تعتادها النفس بمرور الزمن فيفقد بريقه ولمعانه. لاسيما بعد المعاشرة عن قرب التي تتيح رؤية أو سماع أو شم ما لا ترتاح إليه النفس من أمور البدن كرائحة العرق والنَفَس, ولهذا كان مما قالته أمامة: " فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح".. وقد فشلتْ معظم الزيجات التي قامت على جمال وجه المرأة فقط. وكم من جميلة طُلِّقت لأنها زوجها لم يجد بعد جمالها شيئا.

 

المال:

أما من يضعُ المالَ على رأس معاييرِه, فقد جعلَ من الزواج عمليةَ بزينس تخضع للمكسب والخسارة. لذا ستجدُه يقيسُ كل شيءٍ في حياته الزوجية على مقياس المكسب والخسارة. ومن جعلَ المالَ غايتَه يسهلُ عليه التضحيةُ في سبيله بما هو دونه, بما في ذلك الزواج والزوجة والأولاد فيكونُ سببا في انهيار المجتمع. لذلك, فزواجُ المال لا محالةَ فاشل, فإلَّم يفشل في ذاته فشل في ثماره المرجوّة. وأعرف صديقا ثريا تزوجَ ثريةً, وكان ينفقُ في شبابِهِ المالَ على أوجهٍ من الحرام. اليوم هو في أواخر الستينات من عمره. يقسم لي أنه أنفق 2 مليون جنيه لعلاج ابنه الوحيد من إدمان شم المواد المخدرة. الولد الآن يعاني من اضطرابات نفسية رفع في إحداها المسكينُ السكينَ على أبيه.

 

الحسب:

والحسب! كان اختيارُ الحسيبة النسيبة شرطا أساسيا  في زواج العرب قبل الإسلام. والفخر بالقبيلة والتفاخر بالأنساب مما عُرف عن العرب دون غيرهم, وكان من أهم ضروب الشِّعر عندهم. ووصفَ بعضُ أصحاب السِّيَرِ السيدة خديجة بنت خويلد بالحسيبة النسيبة. غير أن الإسلام لم يفاضل بين الناس بِحَسْبِ حسبِهم ونسبِهم, فقد استُبدلَ ذلك كلُّهُ بالتقوى, قال تعالى: " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" الحجرات:13. ولم تعد الأمّةُ للمفاضلة حسبَ العائلةِ واللقب إلا في أشدِّ عصورِها ضِعةً وضعفا, كما كان الحالُ في عصر الملكية والإقطاع بمصر.

 

الدين:

أما من يضعُ الدينَ على رأس معاييره, فقد أصاب وجها خفيا من أوجه الجمال. ولكنه وجهٌ ذو استمرارية وله ديمومة. ذلك أن الدين والأخلاق تُجمِّلُ الروح, وجمالُ الروحِ دائمٌ لا يزول. والدينُ في المرأةِ يتحققُ بتفعيل بنودٍ أربعة أستقيها من الحديث الشريف وهي:

1.     أن تؤدي المرأةُ فرضَها.

2.     أن تصومَ المرأةُ شهرهَا.

3.     أن تحفظَ المرأةُ فرجَها.

4.     أن تطيعَ المرأةُ زوجَها. أو ما يمكن الاستعاضة عنه بـ "أن تفعِّلَ المراةُ وصية أمامة".

 

 فقل لي بربك, هل يشقى من تزوج مثل أم إياس بنت أمامة بنت الحارث؟

فإن وضعتَ دينَ الفتاة على رأس أولوياتك, فقد صار ما دون ذلك من الثانويات, فلا جناح عليك حينئذ إن رُمتَ جمالا أو مالا أو حسبا.

وإذا تأملنا أسباب اختيار النبي r للسيدة خديجة رضي الله عنها نجد أنه r اختار:

1.   من آمنت بأيديولوجيته رغم كفران الناس بها. فيجبُ على الشباب اختيار ذوات الأيديولوجية الإسلامية.

2.   من دعمته وواسته بمالها من أجل تبليغ رسالته. فليختر الشبابُ اللاتي يواسين أزواجهن في كل كبوةٍ ويَدعمنهم بما لديهنّ من طاقات وإن كانت كلمةَ تشجيع.

قال رسول الله r عن السيدة الشريفة: "آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء "رواه أحمد: 24908، وقال محققو المسند: حديث صحيح.

****

 

 

التقارب بين الزوجين

لا أريدُ الخوضَ في مصطلحاتٍ نظرية ولكن أقولُ أن أهمُّ تقاربٍ هو تقارب الطباع. فهو يعزز الملازمة – كما سيأتي بيانه - . أما التقارب في مستوياته الثلاثة المعروفة؛ الاجتماعي والمالي والثقافي فلنا فيه قول:

 

 التقارب في المستوى الاجتماعي:

لا نرى أن ذلك ضروريٌّ للزواج الناجح لا سيما في عصرنا الحديث هذا. فقد زوَّج النبي r مولاهُ زيد بن حارثة للحسيبة النسيبة السيدة زينب بنت جحش. وزوّج جليبيبا لحسيبةٍ من الأنصار. وتعليم المرء في العصر الحديث, قد يدفع به إلى مستوىً اجتماعيٍّ أعلى من مستوى والديه. فكم من طبيبٍ ومهندسٍ وأستاذٍ جامعيٍّ ولدوا في أسر متوسطةٍ أو فقيرةٍ أو حتى معدمةٍ, ثم صار لهم اليومَ شأنٌ اجتماعيٌّ مميزٌ.

التقارب في المستوى المالي:

حركةُ المالِ في المجتمع مثل حركة تيارات الحمل في المياه, تارة صاعدة وتارة هابطة. وكم من أسرةٍ ثريةٍ شوهد أحفادها يتسولون الناس, وكم من أسرٍ فقيرةٍ تبوَّءَ أبناؤها أعلى المناصب وجمعوا من وظائفهم المال الوفير. فالإدعاء بوجوب وجود هذا التقارب هو من أضل الادعاءات وأشدها بطلانا.

ومن الشواهد على ذلك:

·     تزوج النبي r ربةَ عمله السيدة خديجة رضي الله عنها.

·      زوَّج النبي r فتاةً لفقيرٍ تُحبُهُ ضد رغبة أهلها في تزويجها لغني قائلا: "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح". صححه الشيخ الألباني في العديد من كتبه، ومنها صحيح سنن ابن ماجه، وصحيح الجامع، وتتبع مجموع طرقه في السلسلة الصحيحة.

·     كان الصحابي الجليل جليبيب رضي الله عنه غير منسوب، ودميم الخلقة، لكنه حسن الخلق، وكانت فيه دعابة، وكان عزباً. فخطب له النبي r ابنة رجل من الأنصار فقال الرجل: حتى أشاور أمها، فلما ذكر الرجل الأمر لزوجته، أنفت من ذلك لدمامته وفقره، وبينما هَمَّ الرجل بالقيام لإخبار الرسول r برفض زوجته، قالت البنت: أتردون على رسول الله أمره؟! فما كان منهما إلا أن تراجعا عن قرارهما، ووافقا على الزواج. وفي غزوة من غزوات النبي r استشهد جليبيبٌ رضي الله عنه، فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنّ النّبِيّ r كَانَ فِي مَغْزَىً لَهُ. فَأَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ. فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فُلاَناً وَفُلاَناً وَفُلاَناً. ثُمّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ. فُلاَناً وَفُلاَناً وَفُلاَناً. ثُمّ قَالَ: "هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ؟" قَالُوا: لاَ. قَالَ: "لَكِنّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيباً. فَاطْلُبُوهُ" فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَىَ. فَوَجَدُوهُ إِلَىَ جَنْبِ سَبْعَةٍ من الكفار قَدْ قَتَلَهُمْ. ثُمّ قَتَلُوهُ. فَأَتَىَ النّبِيّ r فَوَقَفَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: "قَتَلَ سَبْعَةً. ثُمّ قَتَلُوهُ. هَذَا مِنّي وَأَنَا مِنْهُ. هَذَا مِنّي وَأَنَا مِنْهُ". قَالَ: فَوَضَعَهُ عَلَىَ سَاعِدَيْهِ. لَيْسَ لَهُ إِلاّ سَاعِدا النّبِيّ r. قَالَ: فَحُفِرَ لَهُ وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلا. رواه مسلم. فأي شرف قد ناله الفقير جليبيب؟

 

التقارب في المستوى الثقافي:

س: ما الثقافة؟

ج: الثقافةُ هي جملةُ ما ترسَّخَ في العقلِ من أفكار أيَّاً كان مصدرها.

 

وبالتالي لا يكفي أن نقولَ: هذا إنسانٌ مثقفٌ ونسكت. فما هو مصدر معلوماته؟ فمن الناس من يستقي أفكاره من كتابات سارتر ولينين وماركس فهو مثقف وجودي ملحد. ومنهم من يستقي أفكاره من الأفلام والمسلسلات فهو ذو ثقافةٍ هشة مزيّفة. ومنهم من استقاها من المناهج الدراسية فهو ذو ثقافة محدودة وقد تكون مغلوطة. ومنهم من استقاها من القرآنِ والسنّةِ والسيرة النبوية فهو مثقفٌ إسلامي. قل لي مصدر معلوماتك أخبرك عن أيدولوجيتك. (الأيديولوجية هي العقيدة الفكرية للإنسان).

الثقافة تبني الأيديولوجية, لذلك فالتقارب الثقافي بين الزوجين في غاية الأهمية. فهل ينجح زواج شيوعي أو علماني بإسلامية, أو العكس؟

وبما أن مناهج التعليم هي أحد مصادر الثقافة, فمن الضروري أن يكون هناك تقاربا في المستوى التعليمي بين الزوجين. فلن ينجحَ زواجُ طبيبةٍ بنجار, أو مهندسٍ بعاملة نظافة إلا في أضيق الحدود التي يغطّي فيها العلمُ الشرعيُّ جوانبَ النقصِ في العلم الدنيوي. وبالطبع لا نقلل هنا من شأن العمل الشريف. فكل التحية والتقدير لكلِّ من يكسب ماله من حلال.

****

 

درجة الزوج وغريزة التملك

إذا كنتَ ممن ينظرون إلى الزوجة كقطعةٍ من أثاث المنزل فهذا الكتيبُ ليس لك. درجتُك عليها لا تعني بحالٍ أنها صارت من ممتلكاتك. فهي كيانٌ مستقلٌ له أحاسيسُه ومشاعرُه وله آمالُه وآلامُه, ولها حقوق عليك تماما كما أن لك حقوق عليها.

والرجل عندما يأسس أسرةً فقد صار رُبَّان سفينتها والمسؤول عن سلامتها وعن إيصالها إلى بر الأمان. وهنا يجبُ أن يكونَ الحفاظ على الأسرة أكبر من النَزَعَات الشخصية الفردية المبنية على الأنا والأنانية. لذا يجب على الرجل بصفته متخذ القرار الأخير, أن يقدّمَ مصلحةَ الأسرة على مصلحته الشخصية. فعليه أن يصلَ بهذه السفينة إلى بر الأمان بأي ثمن.

والحقُّ أن تقصِّي الرجل درجته التي أشرنا إليها, قد تضربُه ريحُ الإسراف شأن أي رغبة إنسانية. لذا نهانا الله عن الإسراف في الملبس والمأكل والمشرب ومن ثَمَّ كل شيء فقال: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" الأعراف: 31.

ومن الرجال من يرى نفسه إلاها, فهذا مريضٌ نفسيا. شأنه شأن فرعونَ الذي ظن أن جريانَ الأنهار من تحته دليلُ أُلوهيته, قال عز من قائل: " وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" الزخرف: 51. ثم تمادى حتى: " فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ" النازعات: 24

وإنما وهب اللهُ الرجلَ درجتَهُ هذه لتكونَ له مُعينا على الوصولِ بأسرته إلى بر الأمان وتحقيق أقصى قدر ممكن لها من الرفاهية والسعادة. فليس له أن يتمادى فيها أو يستخدمها في ظلمٍ. بل أكثر من ذلك.. فعلى الزوج مثل ما على الزوجة في حدود ما تعارفنا عليه في هذا الكتيب لقول الحق جل وعلا : "وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ"  البقرة:228

والأزواج المتدينون مطالبون بأن يستوصوا بالنساء خيرا لحديث رسول الله r, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r : استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضّلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا" متفقٌ عليه.

وأبواب الخير لا تعد ولا تُحصى. ومن عجيب هذا الحديث الشريف أنه في حين يثبتُ اعوجاج المرأة, يجعل من ذلك مدعاةً للرجل للمبادأة بالخير لا العكس. فكأن النبيَّ r يقولُ لك: تعاملْ مع هذا الضلع الأعوج بلطفٍ كي لا ينكسر في يدك, لأن كسرَهُ كسرٌ للأسرة, وقد اتفقنا أنه يتحتم على الزوج الوصول بأسرته إلى بر الأمان بأي ثمن. والحديث واضحٌ في الحضِّ على قبول المرأة باعوجاجها هذا, وإيجاد الطرق المختلفة للتعامل معه. ومن هذه الطرق الذكية تفعيلُ الحديث النبوي الشريف الذي قال فيه رسول الله r: "لَا يَفْرَكْ – أي لا يبغض - مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ". رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي هذا الحديث الجميل يُوَجِّهُ النبيُّ r أتباعَه إلى أن مجرد عدم قبول خُلقٍ من الزوجة لا يعني بُغضها والنأي عنها. لا.. فلا يوجد إنسان كامل. ولكن هذا الزوج الظالم جلد زوجته لِمَا كَرِهَهُ فيها ونسي كلَّ ما رضيَ منها. فكم من زوجةِ قد تُهمل في نظافة البيت لكنها بارعة في الطهي. وكم من زوجةِ قد تنسى بعض أوامر زوجها, لكنها تواسيه في أتراحه وتتحمل معه شطف الحياة, وكم من زوجةٍ قد يعلو صوتها فوق صوت زوجها أحيانا لكنها لا تبخل بمالها الخاص إذا ما احتاجت الأسرة المزيد. والزوج المتدين إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها لم يظلمها كما قال الحسن البصري.

والكراهية وحدها ليست سببا كافيا للانفصال. فكم من زوجٍ كرِهَ من زوجتِهِ ما كره ثم تحصَّل له من وراءها خيرٌ كثير. وعزَّ وجلَّ من قال: "فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" النساء: 19.

وأعرف زوجا لم يكن متوافقا مع زوجته لاختلاف الطباع ولضعف مؤهلها العلمي, وبعدما تخطى الزوج الخمسين من عمره, حصلت زوجتُه – متأخرا - على وظيفةٍ بالسعودية, فكانت سببا في مال وفير للأسرة, وعلاوة على ذلك, كانت سببا لأداء الزوج فريضة الحج!

وأعرف زوجا كان يتحاملُ على زوجته ويُحمِّلُها ما لا تُطيق, ثم مرض فدخل المشفى. وكان رفيقه بالسرير المجاور شديد الاكتئاب كثير البكاء. فلما سأله عن ذلك, علم أنه كان يظلم زوجته وأنها ماتت على هذا مما يشعره بندم لا يوصف. فما كان من صاحبنا إلا أن حسّن علاقته بزوجته من فوره.

وأعرف زوجا كان يفتعل من المشاكل ما لا مبرر له حتى جاءته المشاكل الحقيقية. فقد أصيبت زوجتُهُ بالسرطان ودخلت الأسرة في كآبةٍ حقيقيةٍ بات الزوجُ معها يتمنى يوما من الماضي ولا يفتعل المشاكل, فلا يجد.

ومن هذه الطرائق أيضا ما وضعه أبو الدرداء شرطا للصحبة الزوجية إذ قال لزوجته: "إذا رأيتني غضبتُ فرضِّني. وإذا رأيتك غضبى رضّيتُكِ, وإلا لم نصطحب".

وفي صحيحي البخاري ومسلم قال النبي r: "يَعْمِدُ أحدُكم يجلِدُ امرأَتَه جَلْدَ العبدِ، فلعَلَّه يُضاجِعُها مِن آخِر يومِه". وهنا نهيٌ واضحٌ عن استعباد الزوجة استعباد الملك الظالم للعبد الضعيف. وهذا هو الإسراف المذموم الذي أشرنا إليه. وقول أمامة: "كوني له أمة يكن لك عبدا" لا يحمل هذا المعنى البغيض ولكن كما شرحناه في حينه فلا حاجة للتكرار.

 

الهدي النبوي للزوج:

1.     المشاركة في الأعمال المنزلية

واجبٌ لازمٌ على المقتدي برسول الله r المساعدةُ في أمورِ المنزلِ قدرَ استطاعته وإمكانياته لما أخرجه البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي r يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله - تعني: خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.

و"مهنة أهله" تعني كل مهن الزوجات. فعليه غسل ثيابه ورتق ملابسه وتنظيف غرفته وغسل صحنه وكل ما شابه ذلك إن قصّرت فيه الزوجة لسبب أو لآخر. وليس من ذلك قيامه بأمور إصلاح السباكة والكهرباء وأعمال النجارة والصيانة, فكل ذلك ليس من مهنة الزوجة. ومن لطائف تفعيل هذا الحديث الشريف, تقليلُ العبء عن الزوجة, وتحفيزها على عمل المزيد, وإرساء دعائم المودة والرحمة. ويجبُ أن يكونَ جهدُ الزوجةِ محلَّ تقديرٍ عظيم عند الزوج. فأحسن ما تمنحُهُ الزوجةُ لزوجها درجته, وأحسن ما يمنحُ الزوجُ زوجتَهُ التقدير والحنان.

 

2.     التدليل والتودد

 وعلى المقتدي برسول الله r أن يكون كريما في كل ما يسر زوجته ويبني صرح سعادتها ويدعم عاطفتها. من أراد حبَّ زوجته وأسْرَ قلبها, فليكثر من دغدغة عواطفها,  فقد كان النبي r يدللُ السيدةَ عائشة فيناديها: يا عائش، ويا حميراء. فقد كانت رضي الله عنها بيضاء مشربة بحمرة. وكان r يضعُ خدَّه توددا على خدِّها, ويده على يدها, وكان يضع رأسها على منكبه. وإذا شربت, تحرَّى موضعَ فمها فشرب منه. ومثل هذه الرسائل الغرامية, تعجبُ النساء وتُدخل على قلوبهن الأنسَ والسعادةَ, وتحفِّزُهن على تقديم المزيد. فقد لا تسمعين من زوجكِ عبارة "أحبكِ", لا تحزني, ولكنه سيفعل ما يبرهن على ما هو أكبر من الحب فتحرِّيه.

ولقد سبق هذا الهدي النبوي كتاب دكتور جون غراي "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" بنحو 1412 عام (صدر في 1992 م ), وهو الكتاب الأكثر مبيعا في العالم في علاج المشاكل الزوجية. فلقد ذهب دجون غراي إلى أن العواطف بمثابة تانك البنزين للمرأة, فيبغي على الرجل إبقاءه دائما في حالة امتلاء. وذلك بالقيام بالكثير من الأشياء الصغيرة التي تغذي عاطفة المرأة. تماما كما كان يفعل النبي r . ويقول غراي أن تأثير إهداء سيارة لزوجتك = عاطفيا, تأثير إهدائها وردة جميلة. فلو أهدى زوجٌ لزوجته سيارة + 50 لفتة نبوية محمدية عاطفية يكون دفتر حساب كل من الزوج والزوجة كالتالي:

 

دفتر حساب الزوج

دفتر حساب الزوجة

إهداها السيارة

1000 نقطة

نقطة واحدة

50 لفتة عاطفية بسيطة

50

50

إجمالي عدد النقاط

1050

51

 

فهنا نجد أن الزوج يعتقد أنه أعطي زوجته 1050 وحدة عاطفية بينما في الحقيقة هي لم يصلها إلا 51 وحدة عاطفية فقط. وهذ يفسر شكوى الأزواج الدائمة من عدم عرفان زوجاتهم بالجميل. يجب أن يعلم الزوج أن السيارة والوردة عند الزوجة سيَّان, كل منهما نقر نقرة عاطفية واحدة.

وفي المقابل...

 

 

 

دفتر حساب الزوجة

دفتر حساب الزوج

عمل وخدمة الزوجة في المنزل مع دوام النقد وعدم الرضى واستحسان ما يقوم به

1000 نقطة

نقطة واحدة

50 استحسان ومدح

50

50

إجمالي عدد النقاط

1050

51

 

وهنا نجد أن الزوجة تعتقد أنها منحت زوجها 1050 وحدة تشجيعية بينما في الحقيقة لم يصله إلا 51 وحدة تشجيعية فقط. وهذ يفسر شكوى الزوجات الدائمة من عدم تقدير أزواجهن لما يقمن به. يجب أن تعلم الزوجة أن لي "البوز" يحبط أعمالهن.

 

3.     إتقان فن المشاركة

ليس منا من هو أكثر مشغوليةً من النبي r, فأكثر أهل الأرض مشغولية إنما قد كُلِّف من قِبَلِ بشر. ولكن رسول الله r كلَّفه ربُّ البشر بمهمة إخراج البشرية من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وبالرغم من جسامة هذه المهمة وعِظَمِ مسؤولياتها, إلا أن النبي r قد وجد وقتا ليتسابق فيه مع السيدة عائشة رضي الله عنها فتسبقه مرة ويسبقها مرة. وفي حديث أم زرع الطويلِ, جلست السيدةُ عاشة رضي الله عنها تحكي لرسول الله r ما دار بينها وبين مجموعة من النسوة في ما يمكن وصفه بثرثرة النساء وهو r يستمع بلا غضاضة. ولقد أحصيتُ عدد كلمات حديث أم زرع فوجدتها 328 كلمةً, ثم نسختُها إلى نافذة جوجل الناطقة, فوجدت أن القصة تستغرق قرابة 4 أربع دقائق متواصلة, جلسها النبي r يستمع فقط. 328 كلمة و 4 دقائق متصلة, فكم يصغي أزواج اليوم إلى زوجاتهم وكم يعطونهن من وقت؟

يقول د. جون غراي في كتابه "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" أن المرأة بحاجة ماسة لأن يُصغي لها. فهل دَرَى غراي بحديث أم زرع؟ ويضيف غراي أن الزوجة عندما تحكي, فهي إنما تريد فقط أن يُصغى إليها, لا تريد حلولا كما يظن الزوج. فهي قادرة على إيجاد الحلول بنفسها.

  

س: لماذا انعدمت المودة والرحمة بين الغالبية العظمى من الأزواج؟ 44% يُطلقون والبقية يشاورون عقولهم؟

ج: لأننا لا نفهم آلية عملهما جيدا. 

 

طفلان جميلان؛ المودة والرحمة:

عدد أطفال أي أسرة يخضع لهذه المعادلة:

عدد الأطفال = العدد الفعلي للأطفال + 2

على سبيل المثال عائلة بها طفلان، إذن يكون لديها بالفعل 2 +2 = 4 أطفال

يولد هذان الطفلان الإضافيان معًا في الليلة الأولى من الزواج، يحمل الأول اسم "المودة" والثاني "الرحمة", ويحتاجان أيضًا إلى رعاية خاصة لينموا بصحة جيدة شأن سائر الأطفال.

1.       المودة

المودة من الفعل "تودد" أو "اقترب بلطف"، ومن هنا كان (الودود) من أسماء الله الحسنى، أي مَن يتودد إلى عباده بجمال مخلوقاته.

لذلك على الزوجين أن يرعيا نبتة المودة بينهما حتى لا تذبل وتموت, شأنها في ذلك شأن أي طفل من أطفالهما. فهي بحاجة كل يوم إلى الري والملاحظة.

 

2.       الرحمة

وهي مشتقة من الفعل "رحم" ، و"الرحيم" من أسماء الله الحسنى.

 

س: ما معنى الرحمة؟

ج: الرحمة تعني:

1.        الغفران والتغاضي والمسامحة.

2.        عدم تحميل طرف لطرف ما ليس له قدرة على تحمله.

لذلك في الآية الأخيرة في سورة "البقرة" ، نسأل الله هذه المعاني أولاً، ثم نقول بعدها: "وارحمنا". لهذا السبب أسميها آية الرحمة. قال تعالى:"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " البقرة: 268

 

وفي الزواج معنى الرحمة هو نفسه:

1. على كل طرف أن يغفر للآخر ولا يُفرطُ في اللوم حال النسيان أو الخطأ.

2. عدم تحميل طرف لطرف ما ليس له قدرة على تحمله. ويرحم كل طرفٍ الآخر حال ضعفه, وضعف الرجل قلة ماله.

والرحمة تكون بعد استفياء الحساب والملام. لذا يرجو الخلقُ رحمةَ الله يوم القيامة بعد الميزان. لأن بعد الحساب يحقُّ لصاحب الحق البطشُ. وهنا تُستدرُّ الرحمات.

 

 

إدارة ثورة الغضب

س: ما الحل عند ثورة الغضب؟

ج: الغاضب أسير الشيطان فلا تكن معينا للشيطان عليه. فهو بحاجة لأن نرأفَ بحاله أشد من أي شيء آخر. والحل المُجرَّبُ هنا, اللجوء لإحدى الغرف حال غضب الطرف الآخر وعدم التنفس حتى تهدأ ثورتُه. والقليل يفعله.

 

ضبط ثورة الغضب

يندلع الغضب عندما تتهيأ أسباب ثورته. وثورة الغضب كثورة البركان تفور على مراحل, وبالتالي يمكن للعاقل التدخل لكبح جماح هذا الفوران وهو بعد في مراحله الأولى. ولأن الثورات من هذا النوع تكون مفاجئة, فمن المفيد معرفة وقت اندلاعها, ومن ثَمَّ يمكن التحسّبُ لها ووئدها قبل أن يستفحل أمرها. فإذا أدركتَ أو أدركتِ أحد هذه الأوقات, فاعلم واعلمي أن ثمّة غضبا يريد أن يجتاحكما فروِّضاه واقضيا عليه.

 

أوقات الغضب عند الزوج

·     عندما يعود مرهقا من العمل ولا يجد أشياءً كان ينبغي أن تُعدَّ وتُهيأ كطعامه وفراشه.

·     عندما يحس منها العناد والمناطحة أو المكابرة.

·     إذا عُصيت أوامره.

واعلموا أن كثيرا من المشاكل الزوجية يمكن تفاديها لو فهمت الزوجة ما فهمته هذه المخطوبة إذ قال لها خطيبها: "إني سيء الخلق - يقصد سريع الغضب- شديد الملاحظة, ضنين الرضا فري رأيك". فما كان منها إلا أن قالت: " شرٌّ منك خلقا من تُلجئك إلى سوء الخلق"

 أوقات الغضب عند الزوجة

·     عند افتقاد التقدير لجهد بذلته.

·     عند اعتقادها أن الأب يقسو على أحد أبنائها.

·     عندما تُنهر.

·     إذا أحست أن زوجها يزدريها.

·     عند إهانة أهلها.

·     عندما يفرغ تانك عاطفتها.

 

والنهاية العظمى للغضب قد تصل إلى الطلاق وبعده تبدأُ معاناة الأسرة. وهنا نجد أن الحق جل وعلا قد تدخل للوساطة بين الزوجين ناهيا الزوجَ أن يأخذ مما أمهر به مطلقته شيئا, مذكرا إياه بالإفضاء الذي وقع بينهما وبالميثاق الغليظ الذي قطعه الزوج على نفسه إذ قال: "..على كتاب الله". فيقول عز من قائل:"وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا" النساء:21

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو؛ لماذا لم يتوسط الحق جل وعلا بين الزوجين فيما قبل وقوع الطلاق؟

لأن الطلاقَ حلالٌ وإن كان أبغضَهُ, أما ما نهت عنه الآية السابقة فهو حرامٌ يستلزمُ التدخلَ بهذه الطريقة الحاسمة من قِبل الحق جل وعلا. غير أن الوساطة الإلهية فيما قبل وقوع الطلاق موجودة بما يناسب تلك المرحلة, فقال تعالى: "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " النساء: 128. فقد ندب اللهُ تعالى الصلحَ وسيلةً لحل المشاكل الزوجية, ولكنه الصلح الفعَّال المقرون بالإحسان والتقوى.

غير أني أرى أن الإفضاءَ بين الزوجين, والذي بموجِبه أُحِلَّ لكل منهما رؤية عورة الآخر, والميثاقَ الغليظ الذي عُقِدَ بكتاب الله العظيم, الذي أُحلت بموجبه الفروج, لجديرٌ أن يُكْبرَه الرجال إجلالا تتضاءل دونه أية مشكلة وإن عَظُمت, فإن هذا من شيم النخوة والشهامة.

عودة إلى وصية أمامة

 

يا بنية، احملي عنى خصالاً عَشْرًا، تكن لك ذخرًا وذكْرًا"

"الصحبة بالقناعة": 

العروس أم إياس ستتزوج ملكا. ملك كندة, والملك عنده من كل الخيرات ما يغري بالإسراف. ولكن الأم الرؤوم توصي ابنتها بالقناعة وما أجملها وأوقرها من خِصلة. والقناعة ليست فقرا وإنما كَنزا. وما أبلغ تعبير "الصحبة" هنا. فالمطلوب أن نصطحبَ القناعةَ معنا طوال حياتنا الزوجية وليس مجرد أوقاتا وأحيانا.

 

"والمعاشرة بحسن السمع والطاعة":

لم توصها بالسمع والطاعة لأن ذلك – كما أسلفنا - صار معلوما بالضرورة من كون زوجُها صار عليها رقيبٌ ولها مليك. ولكن الجديد هنا هو "حسن" السمع والطاعة. والسمعُ معروفٌ, ومن حسن السمع الإصغاء لكامل كلامه وإعمال العقل فيه وعدم الانصراف أثناء حديثه. والطاعةُ معروفةٌ, ومن حسن الطاعة عدم إغفال التفاصيل والتي هي من أسباب الكثير من مشاكل اليوم.

وقد تستهينُ بعضُ الزوجاتِ بأمر التفاصيل ويظنُنَّ أنهن موفياتٌ طاعةَ الزوجة حقها. فالطاعة في قالبها العريض غير كافية. وإلا لما قال النبي r أن قليلا من النساء من يُطعن أزواجهن. فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْك، يَا رَسُولَ اللَّهِ: رَبُّ الرِّجَالِ وَرَبُّ النِّسَاءِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَآدَمُ أَبُو الرِّجَالِ وَأَبُو النِّسَاءِ، وَحَوَّاء أُمُّ الرِّجَالِ وَأُمُّ النِّسَاءِ، وَبَعَثَكَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَالرِّجَالُ إِذَا خَرَجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلُوا فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَإِذَا خَرَجُوا فَلَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَنَحْنُ نَخْدُمُهُمْ وَنحْبِسُ أَنْفُسَنَا عَلَيْهِمْ، فَمَاذَا لَنَا مِنَ الْأَجْرِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r : أَقْرِئِي النِّسَاءَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَالِكَ ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ . وهذا إسناد جيد موصول.

إذن, إن كان القليل من نساء الصحابة يُطعن أزواجهن, فكم نسبة من لا يطعن أزواجهن اليوم؟ هل هن 44% من النساء, ذاتُ نسبة من يُطلقن؟

 

النشوز

النشوز هو الخروج عن الطاعة في حدَّه الذي يهدد سلامة الأسرة. ويقول الموسيقيون: "نشَّز الوتر" إذا خرج عن نغمته الطبيعية, فإن هذا يفسدُ اللحنَ كلَّه. ونشوزُ أحد الزوجين يفسدُ معزوفةَ الأسرة.

والخروج عن الدور الطبيعي واردٌ في حق كل من الزوج والزوجة.

فإن خرجت الزوجة عن دورها الطبيعي بما يهدد سلامة الأسرة فقد نشزتْ, فللزوج أن يعظها, فإن لم تؤب إلى رشدها فله أن يهجرها في المضجع, فإن لم تؤب إلى رشدها فله أن يضربها ما دون لطم الوجه. فإن انتهت انتهى. قال تعالى: "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا " النساء: 34.

وإن خرج الزوج عن دوره الطبيعي بما يهدد سلامة الأسرة فقد نشز. فعلى الزوجة أن تطلب عقد مجلسِ صلحٍ يعقدُه أولو النهى من العائلتين والصالحين, قال تعالى:"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" النساء: 128. وعلى كلٍّ من الزوجين في مجلس الصلح تقديم أفضل ما لديه لقول الحق جل وعلا "وإن تحسنوا". فالإحسان هو تقديم الأفضل دوما.

وللزوجة إن استحالت عليها الحياة الزوجية أن تطلب الطلاق أو تفتدي نفسها فيما يُعرف اليوم بالخُلع. وليس لها على الإطلاق ترك المنزل لاسيما في أوقات متأخرة من الليل كما يحدث اليوم, فإن هذا نشوزٌ وحده. أعرف زوجةً تركتْ بيتَها في الخامسة صباحا, وسمع الجيرانُ صوتَ صياحها مع زوجها الذي حاول إعادتها للبيت, وهي لم تر أنها ارتكبت شيئا ذا بال!!

 

"والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه؛ فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح. والكحل أحسن الحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود":

السمع والطاعة هما سلوكان يريحان الزوج من حيث الإحساس, فتستقرُ أفكارُهُ وتهدأ نفسيته. وبعد إراحة الإحساس جاء وقت إراحة الحواس؛ البصر والشم.

ولست مضطرا لسرد ما يقع من مشاكل بشأن نظافة البيت وحسن ترتيبه فالمتزوجون أدرى مني بهذا. فينبغي على الزوجة أن تهتم بمظهرها ثم بمظهر كل ما يقع عليه نظر زوجها فيها, ثم في الغرف والصالة والمطبخ والحمام, وأن تكون "متعهدةً" بذلك "متفقدةً" له, بما تدل عليه هاتان الكلمتان من هاجس انشغال البال واهتمام الحال, فقلة الاكتراث لا تنفع هنا. وفي قولها "فلا تقع عينُه منكِ على قبيح", ما أوتي النبيُّ r جوامعَ كَلِمِهِ فقال في سمات الزوجة الصالحة: "إذا نظر إليها أسرته". فالعرب كانوا يدركون ذلك بالسليقة في عصر الجاهلية, ثم جاء الإسلام ليُجمِّلَ كل جميل.  

  وبمناسبة قولها عن الماء, فقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في مقال له أن فرنسيةً نصحت بناتِ جِلدتِها بغسلِ وجوهِهِنّ بالماء عدة مراتٍ في اليوم. فتأمل جمال الوضوء وكيف يضيئ الوجه.    

"والتعهد لوقت طعامه، والْهُدُوُّء عنه عند منامه؛ فإن حرارةَ الجوع ِ مَلْهَبة، وتنغيصَ النوم مبغضة":

بالتأكيد لستُ وحدي ممن أحدثوا جلبةً زوجيةً لعدم جاهزية الطعام في وقته, أو للضجيج الذي لا يحلو إلا في أوقات القيلولة. وما كذب من قال: "الطريقُ إلى قلب الرجل, مَعِدَتُهُ". فالزوج يحبُّ أن يجدَ طعامَه جاهزا وشهيا, وكم من "غَدوةٍ محترمةٍ" تملأ المعدةَ تسببت في إزالة احتقان ومن ثَمَّ ملاطفة وحنان. وليس هذا من باب "طفاسة" الرجل كما قد يتبادر إلى الذهن, ولكن الرجل يحبُّ أن يرى ثمار كدِّهِ في مثل هذه الأمور. ولفظتا " حرارة" و " ملهبة" هنا قد أُشتُقتا بعناية من الحر واللهب. وكلاهما من أهم أسباب اندلاع ثورة الغضب التي سبق الحديث عنها.

وهامٌ هنا أن ننوّهَ إلى أن كل ما من شأنه التنغيص قد يفضي إلى الإبغاض فانتبهنْ.

 

حكايةُ "الطريقُ إلى قلب الرجل, مَعِدَتُهُ"؟

يحب الرجل أن يجدَ آثار كَدِّه ويستمتع بها, ويستوي في ذلك استمتاعُه باستمتاع مَن يعولهم. ومن هذه الآثار, طيب الطعام. وقد يكدُّ الرجل طول نهاره ممنيا نفسه بوجبة دسمة إذا ما عاد إلى بيته منهكا. وقد لا تعلم الكثيرات من النساء, أن أزواجهن يستعيدون منتشين شريطَ ما أنجزوه في يومهم بينما يلتهمون الطعام. وقد يفسر ذلك صمت وشرود بعض الأزواج على الطعام. وإذا شَبِعَ الرجلُ, رضيَ. فإشباع رغبات الرجل على العموم, وسيلة فعالة لإرضائه. ولعل ما ذهبتُ إليه هنا, ترسخَ وتوُورِثَ عبر الأجيال الماضية فصاغوا لنا هذه العبارة. غير أن الكثير من الزوجات يستهنّ بهذا الأمر, لأنه ليس من مفردات لغتهنّ. وودتُ لو أن إحصائيا يخبرنا: كم من الحوادث وقعت بسبب الطعام من مِلحه إلى لحمه. وأحبُ أن أقررَ هنا أنه لا عذرَ للزوجِ في أن يُخرجه فسادُ أوقاتِ طعامِهِ عمّا يلتزم به المسلم الحق.

 

"والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء على نفسه وِحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسنُ التقدير، وفي العيال والحَشَم حسن التدبير:"

الاحتفاظ بالسفينة سالمةً ليست من مهام الربّان المباشرة. فهو يُبحر مركّزا اهتمامه وموليا عنايته للوصول بالسفينة إلى بر الأمان نائيا بها عن أماكن الصخور والارتطام, مواجها الأعاصير والرياح. ولكنه مسؤولية رئيس البحارة الذي يسارع إلى رتق الثقوب وضمان سلامة الجسم والشِراع فهم متعدد المهام. فعلى الزوجة الاحتفاظ ببيتها سالما من أمراض المجتمع على اختلاف فيروساتها, ومن أهم واجباتها في ذلك رعاية العيال الرعاية التي تعصمهم من هذه الأمراض المجتمعية.

ولقد وضع الخالقُ جلَّ وعلا في المرأة القدرةَ على إنجاز عدة أعمال في وقتٍ واحدٍ, بينما وضع في الرجل القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة.

فنجد أن الزوجة في اليوم الواحد تنجز بنجاحٍ تهيئة الأولاد للمدرسة وإعداد الفطور للأسرة, ثم نظافة البيت بالتزامن مع طهي الغداء, ثم غسيل الآنية آخر اليوم وأداء واجباتها الزوجية. وقد تكون مع ذلك كله من النساء العاملات. والقدرةُ على تعدد المهام عند المرأة واضحةٌ في طريقةِ ترابط أعصاب مخها. فهي تربط أفقيا بين فَصَّيّ المنطقيات والعاطفيات. وكل خط أفقي يدلل على قدرةٍ ما. وكل قدرة ترتبط بعاطفة كما يوضح الشكل التالي.

أما في الرجل, فشبكة الأعصاب في مخه تأتي في خطوط رأسية تربط بين المراكز العصبية في الفَصّيْن من الخلف إلى الأمام حيث مركز اتخاذ القرار. فقراراتُ الرجلِ لا تخضعُ للعواطف, والعاطفة عند الرجل تخضع للمنطقيات عبر مركز اتخاذ القرار.

شبكة الأعصاب بين فَصيّ المخ لكل من الرجل والمرأة

 

الرجال من كوكب المنطق والنساء من كوكب العواطف

وهذه استعارة من عنوان كتاب د. جون غراي " الرجال من المريخ والنساء من الزهرة". فقد أراد غراي أن يقول أن لكل كوكب لغته الخاصة, فإن أراد سكان الكوكبين التواصل, فعليهم أن يفهم كل منهم لغة الآخر. وإلا وقع سوء التفاهم والشقاق.

يتحدث الزوج لغة المنطق بينما تتحدث الزوجة لغة العاطفة, فيما يمكن تشبيهُهُ بشخصين يتحدث أحدهما العربية بينما يتحدث الآخر الألمانية, هل يثمر الحوار بينهما؟ هذا ما يُسمّى بحوار "الطرشان". في اللغة العربية يفهم بعضُنا بعضا لوجود أرضية مشتركة هي مدلول المفردات وقواعد اللغة. ولهذا لا يُنتج حوارُ المنطقِ مع العاطفةِ بين الزوجين إلا مزيدا من المشاكل كما قالت إحداهن. فما الحل؟ أولى خطوات الحل تكمن في إدراك هذه القاعدة, أن لغة التخاطب بين الزوجين مختلفة, وبالتالي يتعذر فهم كل طرف للآخر. وثانيها أن يتعلم كل طرف لغة الآخر بما لديه من أساسياتها. وأقترح على الزوج إذا ما أراد نيل موافقة زوجته له في أمر ما, أن يخاطبها بلغة العاطفة, وعليها إذا ما أرادت نيل موافقة زوجها لها في أمر ما, أن تخاطبه بلغة المنطق. وهكذا يتحقق التفاهم.

لغة سكان كوكب المنطق

لغة سكان كوكب العواطف

العبرة بالإنجاز والنجاح

العبرة بالـ "طبطبة"

لا يحبون الانتقاد

لا يحببن التجاهل

يحبون أن يطاعوا           

يحبون أن يُصغى إليهن

لا يحبون النصح.

فهو يعني أنهم لا يعرفون الصواب

يقدمن النصح.

رغبة منهن في رؤية أزواجهن أفضل

يقدمون الحلول دوما.

يعتقد الزوج حديث زوجته طلبا لحلول

لا يحببن تقديم حلول.

فهن قادرات على ذلك

عوامل مشتركة

يحبون المدح والاستحسان والتشجيع

 

عودة إلى وصية أمامة

قد نعجبُ من وصيةِ أمامةَ بالاحتفاظ بالمال, والاحتفاظ عكس الإنفاق! ولكن ليس هذا هو مقصدها. فالاحتفاظ بالمال يتيح إنفاقه وقت الضرورة والحاجة, وهذه هي فائدة المال. وكأنها توصي ابنتها بالادخار وتنهاها عن الإسراف.  

  أمّا فيما يختصُ بالبيت والمال فالأمر يحتاج إلى ميزان حسن التقدير, أي إعطاءُ كلَّ أمرٍ قدرَهُ دون زيادةٍ أو نقصان. وأما فيما يختص بالعيال فالأمر يحتاج إلى ميزان حسن التدبير, لأن العيال خلال نشأتهم يمرون بأطوار متقلبة, مما يستلزم تدبُّرَ معادلةٍ لكل طور وكل سلوك. ومن ذلك قول العامة: "إن كبر ابنك, خاويه" أي اتخذه أخا.

 

 "ولا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا؛ فإنك إن أفشيتِ سره لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أَوْغَرْتِ صدره:"

شر النساء من يُفشين أسرار أزواجهن. ولا أعتقد أن زوجةً مسلمةً تفعل هذا. وإفشاء الأسرار عامةً يقتل الثقة فهو من الخيانة.

قد سبق أن أوصت أمامة ابنتها بطاعة زوجها ثم أكدت ذلك مرة أخرى بحسن الطاعة, فلمَ تُعيد الأمر هنا؟

ذلك لأن إفشاء السر من عصيان الأوامر. والمرأة إن هي أفشت سر زوجها كانت على عصيان أوامره أقدر.

وأبلغ ما في هذا الجزء, أن تكرارَ عصيان الزوج يوغرُ صدرَه ضد زوجته, ذلك لأن عصيانَ الزوج مؤشرٌ لإمّا العناد أو الكبر. وكلاهما من أرذل الصفات إن هما وُجِدا في المرأة. ولا أنصحُ الشبابَ بالزواج بالعنيدة أو المتكبرة. ومما يوغر صدر الرجل, تسفيه آرائه والاستخفاف بها. فلتنتبه الأخواتُ اللاتي يشكين ضيق صدر أزواجهن معهن. وإيغار الصدور يقود إلى البُغض فانتبهن. 

 

"ثم اتقي مع ذلك الفرح إن كان تَرِحًا، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا"

سبق أن اعترضَنا سؤالٌ ولم نجب عليه عندما تساءلنا: كيف تُلقي الأم بابنتها في هذا الوكر مع من لا تعرفه ولم تألفه؟ أم تُراها ستجد لهذه المشكلة حلا؟ وها قد جاء الحل.

بقدر اتفاق طباع الزوجين وتلاقيها, تتسع دائرة التكيّف فتقع السعادة الزوجية. فأولُ نتيجةٍ لاختلاف الطباع هي اصطدام الآراء, وأول نتيجة لاصطدام الآراء هو التلاسن فالشجار. وأحبُّ أن أُشبّهَ توافقَ الطباع بين الزوج والزوجة كتوافق التردد Frequency في الموجات اللاسلكية. فإذا كان الطرفان على ذات التردد الموجي, سَرَتْ بينهما نبضاتُ التواصلِ بيسر ووضوح, حتى إذا ما انتقل أحد الطرفين إلى تردد موجي آخر, استحال التواصل.

ولا ريب أن على الزوجين اختبار توافق طباعهما قدر الإمكان وقت الخِطبة حسب ما يتيحه ويبيحه الشرع الحنيف. ولكن مهما أُرسيَ من وِفاق بشأن الطباع وقت الخطوبة فقد يكون زائفا. لأن الطبع مصطلحا لا يظهر إلا بطول المعاشرة وديمومة الاحتكاك وزوال الرهبة وحلول السكون والاطمئنان وهو ما لا يتوفر في فترة الخطوبة.

 ومن ناحية أخرى فمن المستحيل علينا إيجاد الطرف الآخر الذي تُطابق طباعه طباعنا 100%. فما الحل؟ هل نتوقف عن الزواج؟

إن السيدة أمامة ترى أن الحل يكمن في تَطَبُّعِ الزوجة بحسب طبع زوجها. وأعرف في هذا الصدد زوجة تعلمت ما يُحبُّ زوجُها لتشاركه اهتماماته وميوله. غير أن الزوجَ هو الآخر مطالبٌ بذات الأمر لقوله تعالى: "وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ " البقرة :228. ويحدث هذا بقدر الإمكان.

إن الفرحَ شعورٌ إنسانيٌّ دفَّاقٌ لا يمكن ليُّه ولا حبسه. ورغم ذلك على أم إياس أن تكتم فرحها إن كان زوجها حزينا, ومن ثَمَّ تشرعُ تواسيه في همِّه الذي ألمَّ به. وكم من زوج عاد من عمله مهموما بمشاكله فأفرغ مخزونه النفسي المكبوت في زوجته. فمنهن من فهمت وشرعت تغسل همومه حتى أعادته إلى نفسيته المرتاحة, ومنهن من ردت الصاع صاعين فزادت الطين بِلَّة.

والاكتئاب مرض نفسي عضال. والحزن حالٌ يتملك النفس فيُجبرها على الانقياد له. وإن وجدنا حزينا وجب علينا التسرية عنه. وقد سرَّى الله تعالى عن نبيه لحزنه على عدم إسلام الكفار فخفف عنه فقال عز من قائل: "فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" يس: 76 وقال: "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" الكهف:6. فكيف تطلب الأم من ابنتها أن تكتم كل هذه التفاعلات النفسية العنيفة وتبتسم فَرِحةً لتشاطر زوجها أفراحه؟

إنه تعويد النفس على التطبع بحسب طبع الزوج شيئا فشيئا ومن ثَمَّ تتقارب الطباع بمرور الأيام وطول العِشرة. فإذا ما دربتْ الزوجة نفسها على لَيِّ بواعث الفرح والحزن في نفسها, كانت على لَيِّ ما دون ذلك أقدر. وبالتالي تنعدم المشاكل التي تنجم عن اختلاف الطباع. أليست نصيحة ذهبية؟

 

"فإن الخصلة الأولي من التَقصير، والثانية مِن التكدير":

ولكن أمامة تكون صريحة مع ابنتها, فتقول لها إن كتم الفرح ممكن, حيث يمكن للفرحان تصريف فرحه في وقتٍ آخر. فإن مُنِع فهو من التقصير لأننا نستطيعه. أمّا كتم الحزن - لأنه صعب - فلم تَعُده تقصيرا ولكن تكديرٌ. والتكدير قد يُسمح به في أضيق الحدود, فقد يشرب امرؤٌ الماءَ كَدِرا لشدة عطشه. والحقُّ أني أتعاطف مع الزوجة في حالها هذه فياليت أمامة أغفلت ذلك الجانب.

وبصفة عامة أرى أن الزوجة يجب أن تكون دوما صاحبة شخصية مستقلة وصبغة خاصة وكِيان قوي. وأنا ضد إنكار الذات الذي يصل بصاحبه إلى حالة الشخصية الضعيفة الهشة السلبية, فهذا إنسان ميت مثله مثل الماكينة التي تنتج زبدا ولا تفلح في شيء آخر... يقول غراي.

والأزواج بالتالي ملزمون بهاتين الخصلتين من باب "وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوف " البقرة :228

وعليه فيمكن تقسيم الطباع في الجنسين إلى قسمين؛ طباع تقصير وطباع تكدير.

طباع التقصير: وهي الطباع التي يمكن بسهولة ليُّها وكتمها في النفس ومن ثَمَّ يمكن تفريغها في وقت آخر. وهذا القسم من الطباع يجب على كلٍّ من الزوجين موافقة الطرف الآخر فيه وإلا كان مقصِّرا.

طباع التكدير: وهي الطباع التي يصعب أو يستحيل على أحد الزوجين ليُّها وكتمها في النفس. وهذا القسم من الطباع يُستحب للطرفِ القادرِ موافقةُ الطرفِ الآخر فيه وإلا فعليه أن يعذره ويتعاطف معه فيه.

 

وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا؛ يكن أشدَّ ما يكون إكرامًا":

تعظيم الزوج أمر لا تجود به نفسية الكثير من النساء اليوم نظرا لإساءة فَهم دعاوى المساواة بين الجنسين. فما بالنا بالإعظام ثم ما بالنا بأشد الإعظام؟

وأكثر الزوجات يجعلن تعظيمَهن الزوج مقابلَ تعظيمِ الأزواج لهن, فإن بخلوا بخلن. وهذا خطأ يُزيد الزوج جفوةً. فالرجل قد يقابل التعظيم بالتقدير ومن ثم الإكرام وليس بالتعظيم المقابل. ومن تعظيم الزوج مدحه والثناء عليه وعلى ما يقوم به. ومنه شكر عطاياه والاحتفاظ بهداياه وإن كانت بسيطة. والحياة الزوجية بطبيعتها تضمن عملية المكاسب المتبادلة  Win –win gain . فمقابل تعظيم الزوجة لزوجها تحصل على الـتكريم. والمزيد في الجدول التالي:

ثقة

تقبّل

احترام

إعجاب

استحسان

تشجيع

تجلب لها

رعاية

تفهم

تقدير

إخلاص

تصديق

تطمين

 

كفران العشير

وقد يُلمِّحُ الزوج إلى حاجته للتعظيم بسرد انجازاته واستعراض نجاحاته, ولكن الزوجات كثيرا ما يغفلن عن ذلك. وفي هذا تقول بعض نساء التابعين: كنا نكلم أزواجنا كما تكلمون أمراءكم! فكيف تتكلم زوجات اليوم مع أزواجهن؟ ثم نشتكي بعد ذلك من بلوغ نسة الطلاق 44%!

والكفران بتعظيم الزوج بطرٌ للحق لاسيما إن كان مستحقا له, وقد أسماه الشرع "كفران العشير". ومن تعظيم الزوج شكرُهُ والاعترافُ بجميلِهِ فيما ينفق ويفعل. ولكن أكثر النساء بالفعل يكفرن العشير, لذا كان معظم أهل جهنم من النساء فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ r يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ, بِلا أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ, فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى, وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ, وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ, ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ, وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ, تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ, فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ, سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ, وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ. قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرَاطِهِنَّ وَخَوَاتِيمِهِنَّ.

وسأُورد لكم أروع مثالين مرّا بي في باب كفران العشير:

 

"اعتماد الأندلسية":

ذكر المقريزي  أن المعتمد آخر ملوك بني العباد في الأندلس كان متزوجاً من جارية تدعى اعتماد, وكان يحبها حباً جما ويعاملها برفق ولين ويحرص على إرضائها وتلبية جميع رغباتها. وذات يوم أطلت من شرفة القصر فرأت القرويات يمشين في الطين في موسم الأمطار, فاشتهت أن تفعل فعلهنّ. وحدّثت بذلك زوجها وألحَّت في الأمر. فأمر الملك أن يؤتى بالمسك والعنبر فطُحنا وصُبَّا في صالة القصر، ثم أمر بماء الورد فصُبَّ على الطيب, ثم عجنوه بالأيدي حتى صار كالطين. وعندئذ جاءت اعتماد مع جواريها تتهادى بينهن فخاضت بقدميها في هذا الطين الذي بلغت أثمانه آلاف الدنانير.

وذات يوم سمعت اعتماد من زوجها كلمه أغضبتها فنظرت إليه وقالت له: "والله ما رأيتُ منك خيراً قط". فقال لها المعتمد: "ولا يوم الطين؟"

 

"الخيزُران" زوجة الخليفة المهدي العباسي:

هي أم الخلافة العباسية منذ عصر الخليفة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين وحتى انقراض الخلافة العباسية في القاهرة بالفتح العثماني لمصر سنة 921 هجرية / 1517 م . تزوجها الخليفة المهدي بن الخليفة المنصور، وأنجبت له الهادي ثم الرشيد وكلاهما تولى الخلافة. ومن نسل هارون الرشيد جاء كل الخلفاء العباسيين ومن ثم فهي أم الخلفاء العباسيين.

قال الإمام الواقدي: "حضرتُ يومًا عند الخليفة المهدي العباسي وأتى بالمحابر والدفاتر حتى نكتب ثم عرض له شيء فدخل في حرمه ثم عاد على خلاف ما دخل. فقلت له: يا سيدنا إنك خرجت بغير ما دخلت فما الذي جرى لك؟ فقال هذه الخيزران لما دخلت عليها صرخت في وجهي ومزقت ثوبي ومدت يدها علي وقالت ولله ما رأيت خيرًا منك قط أخرج يا قشاش. والله يا واقدي أنا اشتريتها من نخاس بدينارين وعقدت العهد لولديها ثم تقول هذا."

 

وفي صحيح الترمذي بسند صحيح عن الحصين بن محصن رضي الله عنه أن عمةً له أتت النبي r  في حاجةٍ ففرغت من حاجتها, فقال لها النبي r: "أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له ؟  قالت: ما آلوه إلا ما عجزتُ عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك" رواه أحمد. فإذا أحسنتْ الفتاةُ الاختيارَ ورضيَتْ دينَه وخُلقَه فقد صار زوجُها جنتَها أو نارَها. ومعنى هذا أنها في الجنة إن كان عنها راضيا, وفي النار إن كان عليها غاضبا. ويسقطُ من حقوق الزوج ما تعجزُ عنه إمكانياتُ الزوجة وما كان في معصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

والحقُّ أن كفرانَ العشير طبعٌ ورَّثتْه حواء لبناتها فلم تنج منه إلا من رحم الله. وكلُّهن يسمعن هذه الأحاديث الشريفة والقَصص, ثم تسوِّل لهن أنفسهن أنهن لسن ممن ينطبق عليهن الحديث.

إن المرأة لا ترضى وإن تزوجت نبيا. فماذا عساها تريد زوجةٌ تزوجتْ محمدا r؟ ألم تُغضبُ نساءُ النبي –رضي الله عنهن – وهنّ المُصطفيات له من دون النساء "يا نساءَ النبيِّ لستُنَّ كأحدٍ من النساءِ إن اتقيْتُنّ" الأحزاب:32, إيّاه حتى ترك البيت شهرا ونزل بعالية المدينة؟ بل إن الأمر بلغ حد التظاهر عليه, قال تعالى: "وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ" التحريم: 4. بل إن الأمر, يا مؤمن, بلغ حد الطلاق, قال تعالى: "عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا " التحريم: 5. ولكنهن كلُّهن – رضي الله عنهن- في نهاية المطاف لمّا خُيِّرن:  "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا , وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا" الأحزاب: 28, 29. اخترن الله ورسوله والدار الآخرة

وهذا الشطر من وصية أمامة مثل قولها: "كوني له أمة يكن لك عبدا" من حيث النفع المتبادل ومن حيث أخذ الزوجة بزمام المبادرة. وأعرف زوجةً تُشَبِّهُ زوجَها دائما بالشمسية التي تظلل على الأسرة وتمدحه بذلك وبما أنفق من مال على زواج الأولاد والبنات أمامه وأمام الناس. وقد رأيتُ أن جميع طلبات هذه الزوجة تُجاب ولو بعد حين. وأعرف أخرى تعمل أستاذة جامعية, لا تستنكف عن خدمة زوجها وتقول: "أنا خدامة تراب رجليه"!

****

درجة الزوج وقضية تحرير المرأة

أفرزَ العصرُ الحديثُ مناخا جديدا على كافة الصُعُدِ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويُؤرَخُ للعصر الحديث منذ أن اخترع مايكل فاراداي المحرك الكهربائي عام 1821م, فدار الموتور وجعل كل شيءٍ في العالم يدور معه. وكان العالمُ الإسلامي يعيش عصورَ الظلام منذ سقوط غِرناطة آخر مدن الإسلام في إسبانيا عام 1492م. ومنذ ذلك التاريخ والأمور في عالمنا الإسلامي تزداد سوءا على كافة الصُعُد. وفي الحقبة الاحتلالية حدث تماسٌ حضاريٌّ بين عالمِنا الإسلامي المتخلفِ حضاريا والعالم الغربي المتمدّن متمثلا في طلّاب البعثات الدراسية إلى أوروبا. وكان مما عاد به بعض هؤلاء الطلاب, دعاوَى تحرير المرأة على الطراز الأوروبي. وتَزَعَّمَ هذه الحركة قاسمٌ أمين (1863 – 1908) وحمل لواء دعوته من النساء هدى شعراوي وصفية زغلول. ولكن هذه الدعوة شأن كل الدعاوى المستوردة من الغرب, لم تُميِّز بين الغث والسمين وبين النافع والضار وبين الأصيل والزائف. ففي إحدى مظاهرات النساء ضد الاحتلال الإنجليزي بميدان الإسماعيلية بالقاهرة عام 1919, وكان على رأسهن صفية زغلول زوجة سعد زغلول، وهدى شعراوي، ودون مقدماتٍ ظاهرة، بادرن بخلع الحجاب، وألقين به على الأرض، وسكبن عليه الكيروسين، وأشعلن فيه النار. وهذا هو تحرير المرأة كما يروْنه, إنهم يريدون المرأة العلمانية. ومنذ ذلك الحين تغيَّر اسم ميدان الاسماعيلية إلى ميدان التحرير الشهير بالقاهرة.

وكان تعليم المرأة, من الجوانب الإيجابية لحركة تحرير المرأة. والحقُّ أنْ ليس في أصول الإسلام ما يدعو إلى حرمان المرأة من التعليم. فالسيدةُ عائشة رضي الله عنها, هي مَن لُقِّبت بمعلمة الرجال, بل هي عندي معلمة الأمة. وها نحن نبحرُ في كتيبِ كاملٍ نتعلم فيه من امرأة كانت تعيش قبل البعثة المحمدية! فالمرأة كائنٌ قادرٌ على منافسة الرجل وربما التفوق عليه في العملية التعليمية, فمعظم أوائل الثانوية العامة هنَّ من البنات. غير أنهن لم يستطعن المحافظة على هذا التفوق في الحياة العملية فاحتكر معظمه الرجالُ. وكان لتعليمِ المرأةِ وبالتالي خروجها للعمل, أثرٌ سلبييٌّ على آلية تفكير غالبية النساء لمّا اقترن عندهنّ بدعاوى المساواة. وهي دعوةٌ سامة روَّج لها العلمانيون المتغرِّبون. ففي الغرب, سَحَقَتْ هذه الدعوة النساءَ فعَمِلْنَ سمكري سيارات وسائق شاحنة, وصِرْن سلعةً رخيصةً لترويج المنتجات. ففقط القادرةُ على الكسب ودفع الفواتير تعيش, وإلا فَرَمَتْها آلةُ الرأسمالية المتوحشة. فغصَّت بهن السجون وجرت في دمائهن المخدرات وانهارت الأسر والبيوت وكثر في المجتمع أولاد العلاقات المحرمة.

ولا شك أن المرأة الشرقية قد لَطَّخَتْها دعاوى المساواة هذه ولو بحظوظ متفاوتة, لاسيما إن صارت طبيبةً أو أستاذةً جامعيةً أو مديرة, أو صار لها دخلٌ شهريٌّ معتبرٌ. وقد أحدثّ هذا المنحى العقليُّ تآكلا كبيرا في المسافةِ بين الزوجين, وانعكس سلبيا على درجة الرجل التي منحها الله إياه. فكيف تُعالج الأمور؟

لا شك أن نسب الطلاق منذ 200 أو 300 عامٍ كانت تقريبا منعدمة. وكان لكلٍ من الزوجين منزلتُهُ والأمور تسير أُسريا بأطيب ريح, ذلك ما يدعونه عصر الحراملك (نسبةً إلى الحريم). وينادي البعض اليومَ بالعودة إلى ذلك العصر, فهل يكمن الحلُّ في ذلك ؟ 

هذا مستحيل. فلعصرِنا خصيصةٌ تنبي على العلم والعالمية. وتعليم المرأة في عصرنا هذا يكفلُ لها حياةً كريمة لاسيما إن كانت مطلقةً أو أرملةً أو لم تتزوج بعد, وما أكثر هذه الفئات...

الأم مدرسةٌ إذا أعددتَها  ***  أعددتَ شعبا طيبَ الأعراق

وهذا الإعداد الطيب لن يتأتّى إلا بالتعليم, ولكن التعليم الصحيح.

فللمرأة ارتياد ما شاءت من سبل الترقِّي. ولكن عليها في ذات الوقت أن تُبقي على درجة زوجها غير منقوصةٍ على النحو الذي نحن بصدده في هذا الكتيب.

 

عمل المرأة وقوامة الرجل

لابد إذاً للمرأة أن تتعلم, فالتعليم ينير بصيرتها ويوسِّعُ مداركها ويدفع بها إلى آفاق أرحب. ولهذا مردودٌ إيجابيٌّ عليها شخصيا وعلى أسرتها وبالتالي على المجتمع. غير أن تعليمَ المرأة وتأهُّلَها لسوق العمل وكسب المال قد يُخِلُّ بقوامة الرجل, فقوامة الرجل قائمة على كسب المال وإنفاقه على أسرته لقول الحق جل وعلا: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" النساء:34. فإذا ما نازعته المرأةُ كسبَ المالِ اختلت القوامة في الأسرة المسلمة. ثم إن عبورَ المرأةِ بنجاحٍ إلى هذه الساحة, جعلها تعتقد أنها والرجلَ رأسٌ برأس فأسقطتْ درجتَهُ عليها, فقد سحبت – ربما دون وعي منها - بِساط المساواة ليشملَ القوامةَ أيضا. فالمساواة واجبةٌ في التعليم والعمل والحقوق والواجبات المجتمعية, وليس فيما يُقَوِّضُ دعائمَ الأسرة ويهدم المجتمع.

وعند هذه النقطة, انقسمت الآراء على ثلاث نواصٍ على النحو التالي:

 

الرأي الأول

ذهب إلى عدم تعليم المرأة فوق مستوى معين والإغلاق عليها في قبو الحياة الزوجية دون الأخذ في الاعتبار مستجدات العصر, ظانين أنهم بذلك قد حالوا بينها وبين أسباب تمردها واستعلائها. وأيّد هؤلاء مذهبهم ببطالة الرجال عن العمل, وأن النساء في سوق العمل لم يأتين بما لم يستطعه الرجال. فنوابغُ أيَّ تخصصٍ حياتيِّ هم من الرجال.

 وهذا رأيٌ لا يستقيمُ, ويستحيلُ استحالةَ مقاومة المد التسونامي. فكيف تعتاش مَن لم تتزوج أو الأرملة؟ وكيف تنفق المطلقة التي هضمها زوجها حقها؟ إلى غير ذلك من المستجدات التي قد يفرزها عصرٌ بلا قلب.

 

الرأي الثاني

 ابتكر فكرةَ قصرِ تعليم المرأة على مجالات محددة تتناسب مع طبيعتها, كالتدريس وبعض تخصصات الطب, ونأى بها عن تخصصاتٍ خشنةٍ كالهندسة والجيولوجيا والبترول والتعدين. ويمكنني أن أضمَ إلى هذا الرأي, دعاوى استبعاد المرأة من المناصب القيادية. لأن الردَّ واحدٌ في الحالتين. فالبعض لا يتقبل فكرة أن تكونَ امرأةٌ رئيستَهُ في العمل. والحلُّ يكمنُ في إتاحة كافة المجالات للمرأة مع ضرورة اعتمادِ آليةِ الكفاءة والجدارة دون آلية الترقِّي التراتبي (الترقي بالأقدمية)؛ فأيّما امرأة استحقت عملا أو منصبا عن كفاءة وجدارة دون محسوبيةٍ أو تراتبية فلا بأس. وهذا هو جوهر الرأي الثالث.

 

الرأي الثالث

وهو ما أعتقدُه صوابا. فلتُفتح كلُّ الآفاق للمرأة على مصاريعها, ولتعمل ما تشاء ولكن وِفق المحددات الشرعية في اللباس والاختلاط والكسب الحلال, ولتجني من المال الحلال ما تستطيع وفق آليات العمل والترقي القائمة على الكفاءة والجدارة. فإذا ما تزوجت, فلتعط زوجها درجته التي منحها الله إياه. ولتعلمْ أن خروجَها للعمل وكسبها للمال لولا إذن الزوج ما كان, فعليها المشاركة في أعباء الحياة. وله أن يُلزمَها القعودَ في البيت, فإن أبت فعليها وزر عصيان الزوج وتدمير أسرة.

 

"وأشد ما تكونين له موافقة؛ يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة":

أتعجب من استخدام الإمام علي بن أبي طالب لِلَفظة "موافقة" عندما قال أن من خير متاع الدنيا الزوجة "الموافِقة", أي الموافقة حالا لزوجها.

الأصل في الحياة الزوجية أن يستشيرَ الزوجُ زوجتَه في كافة الأمور لاسيما المفصلية منها. فليس لزوج أن "يتفرعن" ولسان حاله يقول: " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ". 

وللزوجة أن تشرح رأيها وتفند حيثياته. ولكن عليها أن تعلم أن دورها قد انتهى بذلك. ومن ثَمّ يكون على الزوج اتخاذ القرار الأخير. وعلى الزوجةِ موافقةُ الزوج فيما ذهب إليه وإن لم ترضه. وفي إغفال هذا بابٌ عريض لمشاكل زوجية لا حصر لها. فكثير من الزوجات لا يتنازلن عن رأيهن ويصررن عليه, وأقل ما في ذلك سلب الرجل درجته التي أشرنا إليها, لأن ذلك يجعله في محل القائد الذي لا يحسن تدبير الأمور والزعيم الذي لا يستطيع إمضاء سياسته.

 

والموافقة تجلب دوام المرافقة. لأن الإنسان لا يحب مرافقة من يخالفه الرأي دوما ويضيق به ذرعا. فإن المخالفة تنغص المرافقة وتدفع إلى البحث عن بديل. حتى في محيط المصاحبة, نجد أن المرء يصاحب من يوافقه الرأي ويتجنب من يخالفه, لأن الأولى تولد الحميمية والود, والثانية تخلق الندية والبغض.

ومن أروع ما قرأتُ في موافقة الزوجة لزوجها, ما جاء عن زوجة القاضي شُرَيْح (593 :697 م – 30 قبل الهجرة: 78 هـ). يقول شُرَيْح: "من أول ليلة دخلت على امرأتي, رأيتُ فيها حسنا فاتنا وجمالا نادرا, قلتُ في نفسي: فلأتطهر وأصلي ركعتين شكرا لله. فلما سلمتُ وجدتُ زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي. ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه, وأصلي على محمد وآله, إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك, فبيِّن لي ما تحب فآتيه, وما تكره فأتركه. قال شريح: فاحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت: أحمد الله وأستعينه وأصلي على النبي وآله وبعد.. فإنك قلتِ كلاما إن ثبتِّ عليه يكن ذلك حظك, وإن تَدَعيه يكن حجةً عليك. أحبُّ كذا وكذا وأكره كذا وكذا, وما رأيتِ من حسنة فانشريها, وما رأيت من سيئة فاستريها. قال شريح: فمكثت معي 20 عشرين عاما لم أعتب عليها في شيء إلا مرة واحدة وكنت لها ظالما"

فهذه امرأةٌ لا تعلم عن طباع زوجها شيئا, ولكنها تعلم شيئا واحدا, أن تأتيَ ما يحبه زوجُها, وأن تتركَ ما يكره. ولأن العقدَ شريعةُ المتعاقدين, فقد حرصت هذه الزوجة الفَطِنةُ منذ اللحظة الأولى من زواجها, على أحد أهم بنود العقد أن يكون واضحا وجليا. ألا وهو طباع زوجها؛ ماذا يحب وماذا يكره. وبهذا أوصي أبنائي.. أن يستهلّوا حياتهم الزوجية بركعتين. وبهذا أوصي بناتي.. أن يقفن منذ اللحظة الأولى على ما يحبه أزواجهن فيأتينه, وما يكرهون فيتركنه. ومن لطائف هذه القصة:

·   أن القاضي شريح قد ظفر بذات دين تبدأ كلامها بحمد الله والصلاة على رسوله الكريم r وتعرف حق زوجها عليها.

·   أن الزوج يحب من زوجته نشر حسناته وستر سيئاته.

·   أن التزام الزوجة بهذا البند فقط, كفل للأسرة 20 عشرين عاما من الحياة الزوجية السعيدة.

·   بلغ من تمام انعقاد استراتيجية موافقة الزوج في نفس الزوجة أن أوقع الزوج نفسه في الخطأ.

 

"واعلمي أنك لا تَصِلِين إلى ما تُحبين حتى تُؤْثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرهت، والله يَخير لك": 

من المعاني ما لا يترسخُ إلا بالتكرار. فهذا وجهٌ آخر يشرح نصيحتَها السابقة بعدم الفرح بين يديه وهو تَرِحٌ وعدم التَرَحِ وهو فَرِحٌ. ويؤكدُ ما ذهبنا إليه بوجوب تطبّعِ الزوجة بحسب طبع زوجها لا العكس. فأيُّ معنىً كبيرٌ في إيثار رضاه على رضاها في منشطها ومكرهها. وفي هذا وجوب جعل رضا الزوج غاية عُليا. فحتى الهوى والمزاج يجب أن يكون بحسب هوى ومِزاج الزوج, فمن الآن فصاعدا ستحبُّ الزوجةُ ما يحبه زوجُها وستكرهُ ما يكرهُ من هوايات وأكلات وميول وفنون ومِزاجات. إنه دمجٌ لنفسيتين في نفسية واحدة أو دمج لسيكولوجيتين في سيكولوجية واحدة. فهل لي أن أسميه "الجماعَ النفسيَّ" كما وَحَّدَهم الجماعُ الجنسيُّ؟

وأرى أنه ينبغي أن يكون ابتغاء رضا الزوج أيديولوجية عند الزوجة, فإن رَضِيَ الزوجُ, سَعِدَ. وإن سعدَ أسعدَ من حوله, لأن السعادةَ عنصرٌ مشعٌ تغمر إشعاعاته الآخرين.

****

انتهت وصية أمامة. وتم زواج أم إياس فَعَظُم مَوْقِعُهَا من زوجها، وولدتَ لزوجها الملوك السبعة الذين ملكوا بعده اليمن.

وقد تجد معظم النساء وصية أمامة مجحفة وتحملهن ما لا طاقة لهن به, أو أنها لا تناسب العصر الذي نعيشه. وهذا غير صحيح, لأنها في مجملها توافق الشرع في آياته وأحاديثه, وقد مر بنا كثيرٌ من الاستشهاد. وقد تمنى الشيخ الشعراوي رحمه الله لو أن كلَّ أمٍّ حفظت هذه الوصية وعلَّمتها لبناتها, فارجعوا إلى هذا الفيديو على موقع يوتيوب.

****

حديث السجود للزوج

 

في رأيي أن وصية أمامة هي خير شرح لحديث السجود للزوج.

فقد قال رسول الله r: "لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" الحديث صحيح، فقد صححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في إحدى روايات أحمد والبزار رجالها رجال الصحيح. وأما الشيخ الألباني رحمه الله فإنه قد تحدث عن صحة هذا الحديث في كتابه الإرواء، وذكر له ست طرق، وحكم عليها كلها بما تستحق، فبعض الروايات إسنادها صحيح كما في إحدى روايات الحاكم ذكر أن رجالها رجال مسلم، وبعضها أقل درجة من ذلك، ولكن مجموع الروايات يقضى بصحة الحديث.

 

س: من المعلوم من الدين بالضرورة بأن السجود لغير الله كفر وشرك يوجب لصاحبه جهنم, فلمَ قال النبي r هذا الحديث؟

ج: لا تتعبوا أنفسكم بالبحث في تفسير هذا الحديث, فخيرُ تفسيرٍ له هو وصية أمامة التي بين أيدينا فتدبروها.

غير أن التنويه بالسجود هنا بغير تفعليه يوحي إليَّ أن الزوج يرضَى من زوجته ما يرضاه الله من عباده. فالزوج يحب الزوجة المتذلـلة له الخاضعة لأوامره, المطيعة, الصابرة على بلواه, الشاكرة لفضله, المثنية عليه وعلى أفعاله, المُعْظمة شأنه. وكل ذلك ورد معنا في شرح وصية أمامة فلا جديد فيه.

فمن أبت ما أوردناه من معانٍ ومعادلات, فلها أن ترفضَ الزوج الذي يريدها ويطلبها. ولتُفسحْ المجال لغيرها ممن يقبلْنها ويرضَيْن بها. وللخاطب أن يشترطَ تحققَ وصية أمامة في خطيبته. أما الذين يسبحون خارج إطار الشرع الحنيف فشكواهم لا غرابة فيه, ومعاناتهم طبيعية. وأمامهم الفرصة كاملة لتغيير المفاهيم وتصحيح الأوضاع. وفي الختام أوصي بناتي بحفظ وصية أمامة والعمل بما جاء فيها.

 

حالة دراسية من الواقع Case Study

خلال عام 2021 وقعت جريمتا قتل بشعتان, قتلت في الأولى الزوجةُ زوجَها بسكين, وفي الثانية, قتل طبيبُ الأسنان زوجتَهُ طبيبةَ النساء والتوليد!!! ولا شك أن الأمور كان من الممكن أن تقف عند حدود أدنى من القتل لو لم يدفع الطرفان كلاهما أو أحدهما بثورة الغضب نحو نهايتها القصوى. وفي الحالة الدراسية التالية, كان من الممكن أن يًلقى بالزوجة من الطابق السادس ولكن الزوج أوقف الأمر عند حد الضرب المبرح ولو شاءت الزوجة لأوقفته دون ذلك. فإن حد توقف العنف الزوجي لبيد الزوجة, إن شاءت أوقفته بينما يتفاقم, وإن شاءت دفعت به نحو نهايته القصوى.

في تلك الليلة هيئت الزوجة - 29 سنة - نفسيتها لشراء بعض المستلزمات لبيت والدها ممنيةً نفسها بإدخال السعادة على والديها, ثم تتماشى مع طفلتها - 3 سنوات - على كورنيش النيل.

اتصل بها زوجها – 31 سنة - الذي يبيت بمقر عمله كثيرا, يخبرها بضرورة تواجدها بالبيت قبل عودته لإعداد الطعام له حيث أنه في غاية الإرهاق وما يريد إلا أن يأكل ثم ينام.

تذرعت الزوجة بالمهمة التي هي بصددها - وكان أبوها قد خيَّرها في تأجيلها لليلة أخرى - وألقت باللائمة على زوجها الذي مواعيد عمله "ملخبطة". ومنَّت عليه بما لإمها عليه من فضل, إذ تبيتُ معها الليالي الطوال التي يبيتها بمقر عمله وهي كثر, فلم ينكرْ الزوجُ وإنما كرر كم هو مرهق وما يريد الليلة إلا الطعام والنوم. ويبدو أن الزوجة قد أصرت على موقفها مما دفع الزوج للتهديد إن هو عاد إلى البيت ولم يجد ما أمر به. فبدأت الأمور بالتوتر.

وبالفعل, عاد الزوج إلى البيت فلم يجدها قد سبقته كما أمرها بل جمعهما السلم, ولم يجد ما كان يمنّي به نفسه من أطايب الطعام, وبدا أن الليلة لن تكون هادئة.

الخطأ الأول للزوجة: إسقاط وصية أمامة " والمعاشرة بحسن السمع والطاعة " و" وإن عصيت أمره أَوْغَرْتِ صدره." . كان يجب أن تطيع زوجها بلا نقاش. ولكنها انتقلت بالقضية إلى حيز الجدال العقيم فبدأ الزوج يتحفظ وقد استدعى عقله الباطن حوادث مماثلة مرت بهما.

الخطأ الثاني: بدلا من أن تضبط الزوجةُ جدولها اليومي على جدول عمل زوجها, نجدها قد ألقت باللائمة عليه لعدم انتظام مواعيد عمله. فأرسلت إليه بذلك رسالةً مفادها أنها لا تقدر عمله الذي يفتح بعائده البيت راميةً بوصية أمامة " وأشد ما تكونين له موافقة؛ يكن أطولَ ما تكونين له مرافقة" عرض الحائط.

الخطأ الثالث: المنُّ على الزوج ينال من كرامته ورجولته ويدفع بشخصيته نحو الضعة, الأمر الذي لا يرضى به رجل.

قررت الزوجةُ أن يكون أسلوبُها جافا مقتضبا بل واستفزازيا سائر الليلة. قدمت لزوجها بعض الطعام البائت وشرعت تعدُّ له صنفا آخر ليجد نفسه يتعشى في الحادية عشرة مساء.

الخطأ الرابع: قرأت الزوجة وصية أمامة "والتعهد لوقت طعامه, فإن حرارةَ الجوع ِ مَلْهَبة" فتحرَّت عكسها.

 

الخطأ الخامس: على مائدة الطعام, طَلَبَ منها أن تعامل الطفلة التي أرادت التبول, بطريقةٍ ما ارتآها, ولكن الزوجة استخفت برأيه محاولةً إظهار نفسهما بمظهر مَن نجحت في تدريب الطفلة على التبول بمفردها.

الاستخفاف برأي الزوج يرسل إليه رسالةً مفادها أن لا يصلحُ للقوامة ولا يعطي قراراتٍ صحيحة,  وربما.. ألا فائدة له في الحياة, وليس هذا من إعظام الزوج الذي أوصت به أمامة بنات حواء " وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا؛ يكن أشدَّ ما يكون إكرامًا" فلا عجب ألا تجد هي "إكراما" في المقابل.

الخطأ السادس: طلب الزوج من زوجته تغيير ملاءة السرير وعمل كوبين من السحلب لتلطيف الأجواء, ولكن الزوجة "المقموصة" ألقت الملاءة على السرير دون فرش, وقالت له في شأن السحلب: "اعمل لنفسك", متذرعةً بانشغالها في إعداد الطعام له. واضح أنها تعيش دور العناد والندّية, عسى يعوضها الحنانَ الذي كانت ترجوه في غير ظروفه.

الخطأ السابع (سكب البنزين على النار): غض الزوج الطرف عن ذلك وأوى لفراشه ولكنه فوجيء بها تدق بالشاكوش لتُثَبِّتَ على باب البلكون ستارة تمنع دخول هواء الشتاء البارد, إذ قررت أن تنام في غرفة أخرى. فطلب منها الكف عن الدق فأبت في عناد قائلة: "أنت متعود تنام في الدوشة". فكرر طلبه منه مهددا في حِدّة, ولكنها استمرت في الدق غير عابئةٍ به, فبدأت "درجته" تلح عليه أن يستنقذها. فقام إليها يهددها بالضرب فهددته أن تفتح رأسه بالشاكوش إن هو لمسها. احتد الموقفُ وهي تصر على الدق. هذه الزوجة لا تطيع زوجها ياسادة. أخذ منها الشاكوش وقيد يديها بإحكام, بدأ صوتُها يصلُ إلى مسامع الجيران في الواحدة بعد منتصف الليل, فصار مطلبُ الزوج الأول, أن تخفضَ صوتَها ونسىَ موضوع الشاكوش, استمرت بالصريخ طالبةً فك قبضته, فضربها, فعضته بقوة, فانهال عليها صفعا حتى سال الدم من أنفها.

   كان من الممكن ألا يحدث هذا إن هي نطقت كلمة "حاضر" عند أمرِهِ الأول. ولكنها استهانت بإرهاقه وبرغبته في النوم: " والْهُدُوُّء عنه عند منامه؛ فإن تنغيصَ النوم مبغضة"

الخطأ الثامن: شأن الزوجات المعاندات أن يناطحن أزواجهن رأسا برأس ولا يعطينهم درجتهم فيشرعون يأخذونها بطرق أخرى وصلت هنا حد الصفع وإسالة الدماء. وكان من السهل على الزوجة ان تقف برد فعل الزوج عند التعنيف أو الزجر.

الخطأ التاسع: دأبت الزوجة على محاولة تقويم زوجها في أمور حياتهما, ومن ذلك ما وصل حد اتهامه أنه "لا يحكم بيته". وليتها قرأت كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة " حيث يقول الدكتور جون غراي أن الزوج لا يحب أن يُنتقد ولا أن يُقوَّم, لأن كل هذا يَصله في رساله مفادها أنه لا يصلح للقيادة ولا للقوامة. ويجب على الزوجة إيجاد طرق أخرى لذلك.

عموما, لقد أرادت الزوجة أمرا وأراد زوجها غيره. فنجدها قد أعطت الأولوية لما تحبه هي وتريده وكأنها تتحرى عكس ما أوصت به أمامة:"واعلمي أنك لا تَصِلِين إلى ما تُحبين حتى تُؤْثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرهت" 

  

نصائحٌ وأقوالٌ مأثورة

1.       لا تدع الآخرين يتدخلون في أمور حياتك الزوجية.

2.       لا تقارن حياتك الزوجية بالآخرين فلكلٍ معادلاته.

3.       لا ترسم لحياتك الزوجية توقعات مثالية.

4.       حرر مشاعرك السلبية تجاه شريك حياتك.

5.       قدم حسن الظن تجاه سلوك شريك حياتك.

6.       لا تصادق الأسر التعيسة.

7.       أشعرْ شريكَ حياتك أنك بحاجة إليه.

8.       لا تكثر من الانتقاد فإنه يوغر الصدر.

9.       فكِّرْ في ما يُدخلُ السرورَ على شريك حياتك.

10.  لا ترضى المرأة وإن تزوجت نبيا.

11.  من الحب الثناء على شريك حياتك بما ليس فيه.

12.  انظُر كيف هي الأم قبل أن تتزوج الابنة.

13.  إهمال دعاء الجِماع يُزيدُ نسبةَ أولاد الحرام في شوارعنا.

14.  أعط زوجَك درجتَهُ التي منحها الله إياه برضاك قبل أن يأخذَها غصبا.

15.  المرأة التعيسة غالبا ما تكون عنيدة.

16.  دموع المرأة سلاح فعّال.

17.  تُحسن المرأةُ التعاملَ مع الأطفال, هكذا عاملي زوجك.

18.  المرأة العفيفة كالصلاة لا يقربها إلا المتطهرون.

19.  قلب المرأة لا يسع إلا رجلا واحدا بينما قلب الرجل يسع أربعة نساء.

20.  ما يكرمُهن إلا كريم ولا يهينُهن إلا لئيم.

21.  برقيات الحب تُقرأُ بسرعة.

22.  أسمعْ زوجتك ما تحبه, تُرِكَ ما تحب.

23.  الرجل الذي لا يتغاضى عن عيوب المرأة، لن ينعمَ بحبها.

24.  الرجل كالمظلة, لا تعرف زوجته قيمته إلا عند هطول الأمطار.

25.  قليل من النساء يُفكرن قبل أن يتكلمن.

26.  كلما عظَّمت المرأةُ زوجَها كلما نالت منه أكثر.

27.  له: أصغ إليها وأعطها من وقتك وقدِّرها.

28.  لها: قد لا تسمعين منه كلمة "أحبك", ولكن سيفعل ما يبرهن على ما هو أكبر من الحب.

****

 المراجع:

·           تحفة العروس, محمود مهدي الاستانبولي.

·           الزواج الإسلامي السعيد, محمد رشيد رضا.

·           سيرة ابن هشام.

·           تفسير ابن كثير.

·           الرجال من المريخ والنساء من الزهرة للدكتور جون غراي, 1992.

·           المرأة المثالية في أعين الرجال, دكتور محمد عثمان الخشت.

·           موقع Islam online

·           موقع Islam web

·           موقع قصة الإسلام. الدكتور راغب السرجاني.

·           مقالات عديدة في أثر الطلاق على الأطفال.

 

فهرس الموضوعات

درجة الزوج ................................................16

ماذا يفعل الزوج إن لم يجد درجته؟......................21

درجة الزوج وميكروب قاسم أمين.......................22

من الذي يبدأ؟................................................27

ماذا إن لم يكن لي عبدا؟....................................27

معادلات الاختيار في الإسلام

أولا: كيف تختارين زوجك؟...............................29

ثانيا: كيف تختار زوجتك؟.................................38

التقارب بين الزوجين.......................................44

التقارب في المستوى الاجتماعي..........................44

التقارب في المستوى المالي................................45

التقارب في المستوى الثقافي...............................47

درجة الزوج وغريزة التملك...............................49

الهدي النبوي للزوج.........................................55

طفلا جميلان: مودة ورحمة................................62

إدارة ثورة الغضب..........................................66

النشوز.........................................................72

حكاية "الطريق لقلب الرجل معدته".....................77

الرجال من كوكب المنطق والنساء من كوكب العواطف81

كفران العشير.................................................93

درجة الزوج وقضية تحرير المرأة.......................100

عمل المرأة وقوامة الرجل.................................104

حديث السجود للزوج.......................................115

حالة دراسية من الواقع Case Study .................118

نصائحٌ وأقوالٌ مأثورة......................................123

المراجع.......................................................126

 

          **** 


تعليقات