تنزيل كتاب أحزاب الشيخ أبي الحسن الشاذلي

  الشيخُ أبو الحسن الشاذلي

رابط تنزيل الكتاب

يقول تلميذه ووريث طريقته أبو العباس المرسي: كنت مع الشيخ أبي الحسن في القيروان وكانت ليلة جمعة وليلة السابع والعشرين من رمضان فلما أصبحنا قال الشيخ أبو الحسن:

ما كانت البارحة إلا ليلة عظيمة وكانت ليلة القدر, ورأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لي:

يا علي, طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس.

قلت: يا رسول الله وما ثيابي؟

قال: اعلم ان الله قد خلع عليك خمس خلع؛ خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام, فمن أحب الله هان عليه كل شئ, ومن عرف الله صَغُرَ لديه كل شئ, ومن وحَّد الله لم يشركْ به شيئا, ومن آمن بالله أَمِنَ من كل شئ, ومن أسلم لله قل ما يعصيه, وإن عصاه اعتذر إليه وإن اعتذر إليه قَبِلَ عذرَه.

ففهمت حينئذ قوله عز وجل: " وثيايك فطهر"1

 

      هو : أبو الحسن على الشاذلي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصى ابن يوسف ابن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صاى الله عليه وسلم.

وُلِدَ فى المغرب الأقصى فى عام 593 هـ , 1196 م

     من علماء الشريعة الذين عاصروه الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد، الذى كان شيخا للإسلام، وقاضيا للقضاة، ورئيسا لدار الحديث المعروفة باسم المدرسة الكاملية, وقد شهد للشيخ أبى الحسن الشاذلى بعلو القدر والمكانة فقال : " ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبى الحسن"

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1 أبو الحسن الشاذلي الصوفي المجاهد والعارف بالله. للدكتور عبد الحليم محمود, وزارة الثقافة 1967

     

ومنهم أيضا الشيخ عز الدين ابن عبد السلام شيخ الإسلام، وسلطان العلماء، عندما كان يحضر ميعاد الشيخ أبى الحسن، ويسمع تقريره فى الحقائق، ويشاهد حسن إفصاحه عن العلم اللَّدُنِّي كان يصيح قائلا : " تأملوا هذا التقرير فإنه قريب العهد من ربه ". وهذه شهادة جدير أن يؤخذ بها من شيخ المجاهدين الشيخ عز الدين ابن عبد السلام معلم السلطان سيف الدين قطز قاهر التتار.

  وقال عنه ابن عطاء الله السكندري وهو تلميذ أبي العباس المرسي: " لم يختلف في قطبانيته ذو قلبٍ مستنير ولا عارفٌ بصير"

      تتلمذَ الشيخُ أبو الحسن على يد الشيخ عبد السلام بن مشيش ببلاد المغرب الأقصى. وعندما انتهت إقامة الشيخ أبي الحسن عند أستاذه قال له:

-       يا علي, ارتحل إلى إفريقية واسكن بها بلدة تسمى "شاذلة" فإن الله عز وجل يسميك الشاذلي. وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس حيث يؤتى عليك بها من قبل السلطنة1. وبعد ذلك تنتقل إلى أرض المشرق وبها ترث القطابة.

وقد كان...

فاعتزل الشيخ الناس واختلى بربه في مغارة بجبل زغوان بشاذلة حتى سمع النداء

" يا علي اهبط إلى الناس ينتفعوا بك"2

وكان الشيخ يتساءل: رب لما سميتني بالشاذلي ولست بشاذلي؟

حتى ألقى في روعه : ما سميتك بالشاذلي وإنما أنت الشاذّلي.

بتشديد الذال وتعني المفرد لخدمتي ومحبتي

  

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1  يُكادُ لك                                                               2  المرجع السابق

       

وذهب الشيخ إلى تونس حيث كاد له قاضي القضاة ابن البراء عند السلطان زكرياء لما رأى من حب الناس له والتفافَهم حوله وخشي أن ينتزع منه القضاء, وما زال يوغر نفس السلطان على الشيخ بزريعة أن الملك في خطر حتى عزم على الخلاص منه لولا أن أنجاه الله منهم وعرف السلطان زكرياء للشيخ فضله وولايته.

ثم رأى الشيخ النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا يقول له:

-       "يا علي, انتقل إلى الديار المصرية تربي فيها أربعين صديقا"

فخرج إلى مصر وكان مسكنه بالأسكندرية1

       وعندما حضر الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه إلى الديار المصرية، تفاعل مع أهم مشكلة فى مصر، وهى وقتذاك مشكلة الغزو الصليبى لمصر في عهد السلطان الظاهر بيبرس، مما يعكس الوجه الجهادي للصوفية الحقّة, وكيف أن سادتها يولون قضايا الأمة الأولوية الأولى. كان المصريون جميعا فى ذلك الوقت فى همِّ عظيم يترقبون نتائج الحرب بنفوس مِلؤها الهلع والخوف، وكانت الأنظار كلها تتجه إلى مدينة المنصورة مقر الدفاع، ووجد علماء البلد أن من واجبهم أن لا يتخلفوا عن موضع الخطر، فسارعوا جميعا إلى مدينة المنصورة يثبتون من جأش الشعب، ويبعثون الحمية فى نفوس الجند المحاربين. ويثيرون فيهم روح الجهاد للذود عن الوطن وحريته، وكان فى مقدمة هؤلاء العلماءالاجلاء الشيخ أبو الحسن الشاذلى  رضى الله تعالى عنه, الذى فزع إلى المنصورة مع علماء الإسلام للجهاد مع أهل المنصورة ضد الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع سنة 648 هـ 1250 م ، تلك الحملة التى انتصر فيها المسلمون، وأسروا لويس التاسع فى دار ابن لقمان وليس هناك أدل على عناية واهتمام الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه بفريضة الجهاد فى سبيل الله عز وجل، من ذلك الموقف الجليل الصارم، الذى اتخذه تجاه قاضى الإسكندرية الفقيه ناصر الدين بن المنير؛ بسبب تخلف ابن المنير عن الخروج معه للجهاد فى المنصورة، وترتب على ذلك  حصول جفوة بين  الشيخ أبى الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه، وبين ابن المنير، وقد استمرت هذه الجفوة، إلى أن انتقل الشيخ الشاذلى رضى الله تعالى عنه إلى الرفيق الأعلى، ثم سافر ابن المنير إلى ضريح الشيخ الشاذلى رضى الله تعالى عنه واعتذر عنده. وفي هذه الواقعة نبراس للصوفية على عدم مداهنة القضاة وأولي المناصب إذا ما حادوا عن أوامر الله عز وجل.



------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

1 المرجع السابق


سَمْتُهُ وصفاته

·          كان الشيخ أبو الحسن آدم اللون، نحيف الجسم، طويل القامة، خفيف العارضين، طويل أصابع اليدين كأهل الحجاز.

·          وكان فصيح اللسان عذب الكلام.

·          وكان يلبس الفاخر م الثياب ويركب الفاره من الدواب ويتخذ الخيل والجياد

 

 " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" الأعراف 32

 

·          كان ينصح دائما بالاعتدال.

 

من أقواله

1.        دخل عليه يوما أبو العباس المرسي وهو يأكل الطيب من الطعام ويلبس الفاخر من الثياب فقال له:

-       "يا أبا العباس اعرف الله وكن كيف شئت."

2.         من دعائه لضيق الحال " يا واسع يا عليم يا ذا الفضل العظيم, أنت ربي وعلمُك حسبي, إن تمسسني بضرٍ فلا كاشفَ له إلا أنت, وإن تُرِدْنِ بخيرٍ فلا رادَ لفضلك, تصيبُ به من تشاء من عبادك وأنت الغفور الرحيم.

3.       خِصلةٌ واحدةٌ تُحبِطُ الأعمالَ ولا يتنبهُ لها كثيرٌ من الناس وهي سَخَطُ العبدِ على قضاءِ الله تعالى.. قال تعالى " ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم".

 

4.        "إذا ثَقُلَ الذكرُ على لسانك وكثرُ اللغوُ من مقالِك وانبسطتُ الجوارحُ في شهواتِك وانسدَّ بابُ الفكرةِ  في مصالحِك, فاعلم أن ذلك من عظيمِ أوزارِك أو لِكمون إرادةِ النفاقِ في قلبك. وليس لك طريق إلا التوبة والإصلاح والاعتصام بالله والإخلاص في دين الله. ألم تسمع قوله تعالى " إلا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين"

ولم يقل من المؤمنين فانتبه.

 

5.        "إذا لم يواظب الفقيرُ على حضور الصلوات الخمس في جماعة فلا تعبأ به, هذا في شأن السالك". وفي هذه الدرة لألاءٌ للصوفية الذين لا يحرصون على الصلوات الخمس في جماعتها.

 

6.        "اللهم وسِّعْ عليَّ رزقي من دنياي, ولا تحجبْني بها عن أُخراي, واجعل مقامي عندك دائما بين يديك, وناظرا منك إليك, ووارِني عن الرؤية وعن كل شئ دونك, وارفع البيْن فيما بيني وبينك, يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن, وهو بكل شئٍ عليم."

 

7.        قلت على مصيبةٍ نزلت بي:" إنا لله وإنا إليه راجعون"

اللهم أجرني في مصيبتي واعقبني خيرا منها. فألقيَ في سري أن أقول:

"فاغفر لي بسببها وما كان من توابعها وما اتصل بها وما هو محشوٌ بها وكل شئٍ كان قبلها وما يكونُ بعدها."

فقلتها فهانت عليَّ وما وجدتُ من برد الرضا والتسليم أحب إليَّ من ذلك كله

 

من كراماته

·     يقول صاحب كتاب درة الأسرار:

مما حكي عنه أنه قرأ يوما وهو على جبل زغوان سورة الأنعام حتى إذا  بلغ قوله تعالى " وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها"

أصابه حال عظيم وجعل يكررها ويتحرك, فكلما مال إلى جهةٍ مال الجبل معه نحوها وهكذا حتى سكن الجبل1.

·     ما كانت حياة الشيخ أبي الحسن وصاحبه الشيخ الصالح أبي محمد الحبيبي إلا على نباتات الأرض وأعشابها حتى تقرجت أشداقهما ففجر الله لهما عينا عذبة رقراقة يشربون منها1

·     قيل أن الحُبَيْبيُّ كان يرى الملائكة تحف بأبي الحسن بعضها يسأله فيجيبه وبعضها يسير معه1. قال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " فصلت 30

فالملائكة تتنزل على العبد بشرطين هما الإيمان والاستقامة

·     دخل يوما على السلطان في قلعة الجبل يشفعُ في قبائل بالأسكندرية ظلمهم الوالي فقال له السلطان: اشفع في نفسك, هذا عقد بالشهادة فيك وجههُ ابن البراء من تونس بعلامته فيك2.

فقال الشيخ : أنا وأنت و القبائل في قبضة الله.

ثم قام. فلما مشى خطوات حرَّكوا السلطان فلم يتحرك ولم يَنطِق’ فابتدروا الشيخ يسترضونه, فرجع الشيخُ إلى السلطان فحرَّكه بيده فتحرك ونزل عن سريره وجعل السلطان يرغب منه في الدعاء1    .

وفي هذه الدرة أكثر من ملمح في شخصية الشيخ؛ ذلك أنه أولا لا يرضى بالظلم ولا يسكت عليه, وثانيا أنه لا يهاب الولاة والسلاطين ولا ينافقهم, وثالثا أنه رحمعه الله كان شديدَ الاعتصام بالله عز وجل.

----------------------------------------------------------------------------------------------

 1 المرجع السابق

2 كان ابن البراء قد أرسل للسلطان في مصر يحذره من الشيخ مدعيا كذبا أن الشيخ سيشوش على السلطان رعيته كما فعل بتونس


·     لما قدم الشيخ المدينة زادها الله تشريفًا وتعظيمًا، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس، حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول ": يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ " الأحزاب 53.  فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: يا علي، ادخل.

 

وفاته

توفى العارف بالله الشيخ أبو الحسن الشاذلي عام 656 هـ 1258 م أثناء سفره لأداء الحج قادما من الأسكندرية محل إقامته, فلما كان بحميثرة, وهي حلة بين قنا والقصير بمصر, وافته المنية عن عمر يناهز الثالثة والستين وهو نفس عمر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.


 

ضريح العارف بالله الشيخ أبي الحسن الشاذلي

تعليقات

  1. ما رايك لو التزمنا بما ورد في الكتاب و السنه ولا نلجأ لاحد يعلمنى اوراد ما وردت عن النبي صلي الله عليه و سلم
    و جزاكم الله خيرا استاذنا الفاضل

    ردحذف

إرسال تعليق