أزمة سد النهضة الأثيوبي

  أزمة سد النهضة الأثيوبي

عندما نريد تقييم موقف معين, فلابد لنا أولا من تحديد إحداثيات نقطة الحالة المثلى. عندئذ سيكون من السهل قياس المسافة بين موضعنا الحالي وتلك النقطة المثلى مما يصبُّ إيجابا في تقييم وضعنا الحالي. هكذا يجب أن تكون حساباتك كلها. بالنسبة إلى قضية سد النهضة الأثيوبي, فالحالة المثلى هي أن يكون السد تحت الإدارة المصرية, وبالتالي يمكننا إدارة السد ليلبّي المصالح المائية المصرية. إذا كان سد النهضة الأثيوبي سدا مصريا, فسنخزن فيه المياه الزائدة خلال مواسم الإيراد العالي, لنستفيد منها نحن والسودان في مواسم الجفاف. فخلال العام المائي المنصرف 2020/2021 تم إهدار قرابة 22 مليار م3 في منخفضات توشكى الأربعة بصحراء مصر الغربية, أي ما يقارب نصف حصة مصر من مياه النيل. أليس من الأفضل تخزين هذه المياه في بحيرة سد النهضة الأثيوبي والاستفادة منها في مواسم الجفاف؟ 
لهذا أقول أن أفضل حل هو الإدارة المشتركة لسد النهضة الأثيوبي ما بين الدول الثلاث. وبناءً على هذا نستطيع تقييم موقفنا الحالي.
إن الإدارة المشتركة للموارد المائية أمر متَّبع ومتفق عليه دوليا. فلدى مصر بعثة هندسية في السودان, ولديها إشراف على سد أوين الأوغندي على بحيرة فكتوريا منبع النيل الأبيض. ولدى السودان بعثة هندسية في محطة الجعافرة المصرية للإشراف على حصة مصر. إزاء هذه البروتوكولات المتعارف عليها دوليا لا نستطيع وصف السلوك الأثيوبي إلا بالمتعنّت.

السيكولوجية الأثيوبية تجاه مصر

في 2002 ذهبتُ إلى دورة تدريبية في اليابان. فلاحظتُ أن بعض الأفارقة يتجهّمون إذا ما رأوْني. فلمّا سألتُ زملائي الذين سبقوني إلى اليابان, أخبروني أن هؤلاء أثيوبيون. وهم يكرهون المصريين لأنهم يعتقدون أن مصر بَنَتْ حضارتها من النيل بينما أثيوبيا " صاحبة النيل" مازلات تكابد التخلف. لقد كانوا يعتقدون أننا نسرق مياههم.
الأمر الذي أراه واضحا أن أثيوبيا - بصفتها مالكة النيل الأزرق كما تزعم - قد ترمي إلى بيع المياه لكلٍ من مصر والسودان كدعامة لتحقيق نهضتها. 
إن أثيوبيا ليست بحاجة إلى خزان مائي ضخم, وإنما بحاجة إلى طاقة كهربية كبيرة يمكن توفيرها من سدٍ بمواصفات فنية أقل ودون نزاعات إقليمية. أثيوبيا ليست دولة فقيرة مائيا, حيث يهطل عليها سنويا قرابة 1000 مليار م3 من المياه يصل منهم إلى مصر قرابة 84 مليار فقط!, ولديها شبكة من الأنهار ما يجعلها جنة الله في أرضه. بدليل أنها أقامت سد النهضة الأثيوبي في النهاية الشمالية من البلاد بعد أن ارتوت كل أثيوبيا من المياه.

لاحظ كمَّ الأنهار والروافد باللون الأزرق

النوايا الأثيوبية مبهمة

يمكن في إطار حسن النوايا أن يكون سد النهضة مفيدا للجميع, ومصر والسودان بحاجة إلى سد إضافي مع السد العالي وسد مروي يوفر المزيد من المياه في مواسم الجفاف. وبوسع أثيوبيا ملئ بحيرة سد النهضة بالتنسيق مع مصر, فبحيرة سد النهضة بحاجة إلى 74 مليارم م3 لتمتلئ عن آخرها, فقط في العام الماضي 2020/2021 ضاع قرابة 22 مليار م3 في الصحراء, ألم يكن من الممكن بالتفاهم والتنسيق تخزين هذه الكميات التي تهدر في الصحراء ببحيرة سد النهضة لتستفيد منها البلدان الثلاثة. إن ثلاثة أعوام مشابهة للعام المائي الماضي لكفيلة بملئ كامل بحيرة سد النهضة فقط من المياه الفائضة!

تأثير سد النهضة على حصة مصر من المياه

تتضرر مصر من سد النهضة فقط أثناء فترة ملئ بحيرة سد النهضة حتى تصل إلى كامل سعتها, الأمر الذي يمكن أن يُحلَّ بالتفاهم والتنسيق كما سبق وأشرنا. أما بعد استيفاء بحيرة سد النهضة سعتها, فستمر كل مياه النيل الأزرق إلى السودان ومصر وكأنه لا يوجد سد. لأن أثيوبيا ستستخدم مياه البحيرة في توليد الكهرباء فقط, ولن تسحب أثيوبيا مياه البحيرة لأغراض الري إلا بكمية ضئيلة للغاية, نظرا لأن السد يقع في نهاية الأراضي الأثيوبية من جهة الشمال, وهي أراضي منخفضة على سار أثيوبيا, فالمياه لن تجري في الإتجاه العالي. ولكن بإمكان أثيوبيا مضايقة مصر والسودان بأكثر من طريقة, فقد تلجأ إلى تفريغ جزء من البحيرة في مواسم الفيضانات العالية ما يسبب إغراقا في السودان, ثم تُعوِّضُ هذا الجزء في مواسم الجفاف, وعندئذ إذا طلبت مصر والسودان المياه فعليهما أن تدفعا لأثيوبيا. 

خيار ضرب سد المهضة الأثيوبي

لا شك أن الخيارات العسكرية تبقى آخر الخيارات. ولكن هيدرولوجياً, يصعب ضرب السد كلما زاد ارتفاعه وزادت كميات المياه التي يخزنها أمامه. وإلا فالطوفان والدمار الشامل في السودان ثم مصر. لذلك فخيار التدخل العسكري مناسب الآن حيث كمية المياه الموجودة أمام السد = 3.34 مليار م3 تقريبا من واقع صور الأقمار الصناعية يوم 15 مارس 2021. فكمية المياه الصغيرة هذه وحتى حد معين,  يمكن استيعابها بسهوله في بحيرتي سديّ الروصيرص ومروي السودانيين والسد العالي المصري. أما بخصوص الضربة العسكرية, فمن المعروف أن أضعف النقط في جسم السد هي محطة الكهرباء وغرف التوربينات لاحتوائها على أكبر قدر من الفراغ وبالتالي أقل قدر من الخرسانات.

الاتفاق الملزم

الاتفاق المُلزم هو الحل الوحيد والضروري لأزمة سد النهضة الأثيوبي والذي بموجبه يتم الإتفاق على قواعد لتشغيل السد تتوافق عليها جميع الأطراف. وأقترحُ أن ينبني أساس تشغيل بحيرة السد على النقطة الفنية التالية:

1. تبدأ أثيوبيا بتخزين المياه في شهر يوليو حيث بداية موسم الفيضان.

2. تقوم وزارة الري المصرية في أول أغسطس - حيث يبدأ وصول مياه الفيضان إلى بحيرة السد العالي بمصر - من كل عام بعمل تنبؤ لإيراد نهر النيل استنادا إلى المعلومات الأولية عن الفيضان. 

3. تقوم إثيوبيا بتخزين ما يزيد عن مجموع حصتي مصر والسودان (أي ما يزيد عن 86 مليار م3 مقاسةً عند بحيرة السد العالي) مخصوما منه ما خزّنته في يوليو. وفقا لهذا السيناريو يمكن لأثيوبيا ملئ بحيرة سد النهضة خلال 3 أعوام مائية على غرار عام 2020/2021.

4. تمتنع أثيوبيا عن التخزين إذا كان إيراد نهر النيل في حدود أو أقل من 86 مليار م3.

ملاحظة: 86 مليار م3 هو متوسط إيراد النيل مقاسا عند بحيرة السد العالي منها 18.5 مليار م3 حصة السودان و 55.5 مليار م3 حصة مصر و 12 مليار م3 تضيع فواقد للبخر والتشرب والتسرب.

حساب كميات المياه في منخفضات توشكى العام المائي 2020/2021

عمل المهندس محمد إيهاب الأزهري بالتفتيش العام للري المصري بالسودان في الفترة من 1992 - 1999 بمحطات الخرطوم ودنقلا. ثم كبيرا لمهندسي الهيدرولوجيا بهيئة السد العالي.

السيرة الذاتية للمهندس محمد إيهاب الأزهري


تعليقات