7. شهامة كافر.

  7.   شهامة كافر.

  



  

اشتد تعذيبُ الكفارِ في مكةَ للمسلمين الضعفاء ليتركوا الإسلام ويعودوا إلى عبادة الأوثان. فساموهم أشد العذاب, كالكي بالنار والجلد بالسياط. فأَمَرَ النبيُ r المسلمين بالهجرةِ إلى المدينةِ فرارا من أذى الكفار. وكانت أُسرةُ أبي سلمة هي أولُ أسرةٍ تنفِّذُ تعليماتِ النبيِ r. فقد قررَ أبو سلمة بن عبد الأسد الهجرةَ هو وزوجتُهُ أمُّ سلمةَ ومعهما أبنُهما الصغيرُ سلمة. وعندما عَلِمَ بذلكَ أهلُ الزوجةِ من بني المغيرةِ, منعوها من الهجرةِ مع زوجِها فأخذوها منه عُنوةً 1 وتركوه يهاجرُ بمفردِه, وعندما عَلِمَ بنو عبد الأسد أهلُ الزوجِ أنَّ أمَّ سلمةَ وابنها عند بني المغيرة, ذهبوا إليهم فانتزعوا منهم الطفلَ عُنوة. وتفرقَ على ذلك شملُ الأسرة, فأصبحَ الأبُ في مكانٍ والأمُّ في مكانٍ والابنُ في مكانٍ.

وكانتْ أمُّ سلمةَ تخرجُ كلَّ يومٍ إلى جِوارِ الجبلِ المجاورِ تنظرُ إلى الطريقِ وتظلُ تبكي حزنا على فراقِ زوجِها وابنِها.

وذاتَ يومٍ رآها ابنُ عمِّها على هذه الحال البائسة, فَشَفَعَ لها عند بني المغيرةِ وطلبَ منهم أن يَدَعوا هذه المرأةَ المسكينةَ تلحقُ بزوجِها في المدينة, فوافقوا بعدَ طولِ عناد. وردَّ لها بنو عبد الأسد ولدَها. فأخذتْهُ وخرجتْ تريدُ زوجَها بالمدينةِ وليسَ معها سوى بعير تركبُهُ والمسافةُ بعيدةٌ والطريقُ وَعِرَةٌ ومليئةٌ بالمخاطر وقطّاعِ الطرق. وبينما هي في طريقِها إذ رآها رجلٌ كافرٌ يُدعى عثمان بن طلحة, وكان يعرفُ قصتَها, فقال لها:

·             إلى أين تذهبين؟

فقالت له:

·             أريدُ زوجيَ بالمدينة.

·            هل معكِ مرافق؟

·            ليس معي إلا الله ثم ابني هذا.

فقال لها:

·             والله ما لك من مَتْرَك2.

فأخذَ بلجامِ بعيرِها وسار أمامَها جاعلا بعيرَها خلفَهُ حتى لا تكونَ في مرمى بصرِه. فإذا حلَّ الظلامُ وجاء وقتُ النوم, أدارَ لها ظهرَهُ حتى تنزل, إذ ربما ينكشفُ شيءٌ من عورتها أثناءَ النزول, فإذا نزلتْ ذهب وأخذ البعيرَ ثم ربطه بشجرةٍ واضطجع تحتَها. فإذا جاء وقتُ الرحيل, قدَّمَ إليها البعيرَ ثم أدار ظهرَهُ حتى تركبَ مطمئنة, فإذا ركبتْ أخذ بلجامِ البعيرِ وسار بها وهكذا حتى وصلا بعد عدةِ أيامٍ إلى المدينةِ فقال لها:

·             زوجُكِ في هذه القريةِ فادخليها على بركةِ الله.

فلما رأتْ السيدةُ أمُّ سلمةَ أخلاقَ عثمانَ أثناءَ السفر, وكيف أنه كان شهما معها ولم يحاولْ أن يضايقَها رغمَ خُلْوَتِهِ3 بها, دعتْ اللهَ له دعوةً جميلةً فقالت له:

·             أَكْرِمْ بك من صاحبِ سفر, فجزاك الله خيرا.
ثم تركها عثمانُ بن طلحة وانصرفَ عائدا إلى مكة.

وبالفعل, لقد استجابَ اللهُ لأمِّ سلمةَ وجزى عثمانَ بن طلحة خيرا فهداه إلى الإسلام بعد ذلك.


===========================

ü       اعلم أن خيرا قليلا تعملُهُ اليومَ سيكونُ سببا في خيرٍ أكبر يحملُهُ لك المستقبل.

=======================

1  بالقوة.

 2 ليس من الشهامةِ أن أتركَكِ تسافرين بمفردِك.

 انفراده.

 

تعليقات