1. سرُّ الرضيع.

                                                                      1.    سرُّ الرضيع.

 


كانَ نسوةُ قريش يُحْبِبْنَ إرسالَ أطفالهنَّ الذكورِ إلى مرضعات الباديةِ ليُنَشَّئوا على حياةِ الباديةِ القاسيةِ, فيتعلمون الجَلدَ والمثابرةَ ويكتسبون صفاتِ الباديةِ الرجولية. فكان نسوةُ قبيلةِ بني سعد يذهبْنَ كلَّ عامٍ إلى مكةَ من اجل الحصولِ على أطفالٍ رضَّعٍ يُرضعْنَهم مقابلَ الأجر. وفي عامِ الفيلِ كانت ظروفُ الحياةِ أصعبَ ما يكون. فبعدَ ما حدثَ لأصحابِ الفيلِ من الطيرِ الأبابيلِ والحجارةِ التي من سجِّيل, انتشرَ الجفافُ في الأرض, وظهرتْ لأولِ مرةٍ النباتاتُ المرَّة مثل الصبارِ والحنظل.

في هذه الظروفِ المعيشيةِ الصعبة, ذهبَ وفدُ بني سعد كَكُلِّ عامٍ إلى مكةَ لالتماسِ الرُضِّع. وكان في الركبِ سيدةٌ تُدعَى حليمةُ السعديةَ وزوجُها وطفلُها الصغيرُ, وكان معهم عنزةٌ صغيرة. وكان الحمارُ الذي تركبُهُ السيدةُ حليمةُ ضعيفا لا يقوى على السيْرِ حتى جعلَهم في آخرِ الركب. وكان طفُلها لا يكفُّ عن البكاءِ من شدِّةِ الجوع, وهي لا تستطيعُ إرضاعَهُ بما يكفيهِ لقلِّةِ اللبنِ في صدرِها, فقامتْ إلى العنزةِ علَّها تجدُ فيها القليلَ من اللبنِ للرضيعِ علَّهُ يكفُّ عن البكاء, ولكنها لم تجدْ فيها قطرةَ لبنٍ واحدة من شدةِ هُزالِها1.

وعندما وصلوا إلى مكةَ كان هناك العديد من الأطفالِ الرضَّع, وكان من بينهم رضيعٌ يتيم. فوجدَ كلُّ رضيعٍ مرضعةً تأخذُهُ إلا هذا الرضيع اليتيم, فقد زَهَدَتْ2 فيه كلُّ المرضعات, لأنه يتيمٌ ليس له أبٌ يدفعُ المالَ للمرضعة. وهكذا حصلتْ كلُّ مرضعةٍ على رضيعٍ إلا السيدة حليمة السعدية, فقد وصلتْ متأخرةً فلم تجدُ إلا هذا الرضيعِ اليتيم, وبعد أن ترددتْ هنيهةً3 قررتْ أن تأخذه بدلا من عودتِها بلا رضيع, وكانتْ تعتبرُ نفسَها في ذلك سيئةَ الحظ.

وفي طريقِ العودةِ قرَّبتْ السيدةُ حليمةُ السعديةُ الرضيعَ الجديدَ إلى صدرِها فلاحظتْ أمرا عجيبا, لقد امتلأ صدرُها باللبنِ بعد أن كان جافا. وأصبحَ حمارُها الضعيفُ أسرعَ حمار في القافلةِ حتى جعلَها أولَ الركب.

وعندما وصلتْ القافلةُ إلى ديارِ بني سعد, أرسلَ الناسُ غنمَهم للمرعى, فكانتْ غنمُ السيدةِ حليمة ترجعُ شباعا وضرعُها مليءٌ باللبنِ بينما ترجعُ غنمُ الناسِ جياعا. حتى قال الناسُ لرعاتِهم

·            وَيْحكمْ, ارْعُوا حيثُ ترعى غنمُ حليمة.

وبالرغمِ من ذلكَ كانتْ غنمُ السيدةِ حليمة فقط هي التي ترجعُ شباعا وفيرةَ اللبن, فكانت تحلبُ وتشربُ وتشبعُ هي وأهلُها ولا يحلبُ الناسُ قطرةَ لبن.

فعرفتْ السيدةُ حليمةُ أن سراً هنالك في هذا الرضيعِ المبارك. فمُذْ أنْ دخل حياتَها زادَ الخيرُ وعمّ الرخاء


هل عرفتَ أنت سرَ الرضيع؟؟

 

 ضعفها.

  2 زَهَدَ الشئ: تركه وأعرض عنه استنقاصا لقيمته.

  بُرهة.      

 

 

تعليقات